وبعد تكاثر الجمعيات وتوزع جهود الباحثين من خلالها، ظهرت فكرة جديدة لجمع الشمل والتعاون وتبادل الخبرات، وذلك بإنشاء اتحادية لهذه الجمعيات، سميت (فيدرالية الجمعيات العلمية لشمال افريقية). وواضح أن هذا العنوان لا يقتصر على الجمعيات العلمية في الجزائر، ولكن يضم الجمعيات العلمية الفرنسية على مستوى تونس والمغرب الأقصى أيضا. فالتنسيق بين الجمعيات المذكورة كان ضروريا لخدمة أهداف الاستعمار القريبة والبعيدة في منطقة المغرب العربي كلها. وكان جورج هاردي هو صاحب المبادرة لإنشاء الفيدرالية التي بدأت نشاطها الجماعي سنة ١٩٣٥ بالجزائر، ثم عقدت دوراتها الأخرى سنويا في كل من تلمسان وتونس والرباط وقسنطينة. وبحلول الحرب العالمية الثانية توقف هذا النشاط. وكان يصدر عقب كل اجتماع سنوي مجلد أو مجلدات تضم البحوث التي عالجها الأعضاء، وكانت بحوثا دسمة في معظمها وفي مختلف التخصصات التي تهم المنطقة من الوجهة الفرنسية.
ونريد أن نشير أيضا إلى (لجنة ترجمة الكتب العربية) التي أسسها الحاكم العام جول كامبون سنة ١٨٩٤. وكان الغرض منها هو إعداد ونقل الكتب العربية إلى اللغة الفرنسية، ولا سيما تلك الكتب المدرسية أو ذات الطابع التعليمي الذي تقرر استعماله في المدارس الشرعية - الفرنسية الثلاث بعد إعادة تنظيمها وفي دروس المساجد المراقبة من إدارة الشؤون الأهلية، وفي مدرسة الآداب وغيرها. وكان المشرف على اللجنة هو بيرسفيل، كاتب عام الحكومة العامة، وكانت اللجنة تتألف من أساتذة فرنسيين في اللغة العربية من مدرسة الآداب ومدراء المدارس الثلاث، ومن مترجمين عسكريين تابعين للحكومة العامة. وتقرر أن تترجم مجموعة من الكلاسيكيات العربية في الفلسفة والنحو والتاريخ والفقه. ومنها كتاب ابن مسكويه، وحي ابن يقظان،
= عن الجمعيات الخمس الرئيسية بقلم الضابط جوق Jugue في المجلة الافريقية، ١٩٠٥، ص ٤٦٣ - ٤٨٥. انظر أيضا بحثنا (منهج الفرنسيين في كتابة تاريخ الجزائر فى كتابنا أبحاث وآراء .. ط. ٣ ج ١. وماصيه (الدراسات العربية فى الجزائر).