الرأي، فسياسة نابليون الثالث، رغم قوانينها التعسفية في الأرض والتجنس والتغطية على الكنيسة، وما إلى ذلك، فإنها فتحت باب التعليم المزدوج ولم تصادم مشاعر المسلمين مباشرة، وكان نابليون يعلن رسميا على الأقل أنه حاكم العرب والفرنسيين. وقد أمر المارشاليين الحاكمين: بيليسييه ثم ماكماهون، باتباع هذه السياسة، رغم تناقضها مع الواقع.
لكن سياسة القمع الثقافي والعجرفة التي سلكها الحكام العامون في عهد الجمهورية الثالثة، سيما ديقيدون، وشانزي، وتيرمان، نحو الجزائريين جعلت صوت الجيل الأول يكاد يخفت ويتلاشى. ولم يظهر صوت الجيل الثاني من دعاة تقليد الفرنسيين وتعلم علومهم إلا أواخر القرن. ذلك أن السياسة المذكورة قد جعلت الجزائريين يتقوقعون على أنفسهم ويحسون أنهم مستهدفون بالانقراض والذوبان في غيرهم، فتمسكوا بما عندهم وطالبوا باحترام عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم ودينهم. وذلك في سلسلة من العرائض ابتداء من الثمانينات.
عبد القادر المجاوي وجيله: وقبل أن نذكر ذلك نشير إلى الكتيب الذي أصدره الشيخ عبد القادر المجاوي سنة ١٨٧٧ وسماه (إرشاد المتعلمين). وهو كتيب طبع في مصر ولم يدخل الجزائر منه إلا نسخ قليلة، ولا نظن أنه حظي بعد ذلك بتوزيع يشبه توزيع جريدة المبشر. وكان بإمكان المجاوي أن ينشر أفكاره في هذه الجريدة لو أراد. ولكنه فضل أن يدعو إلى العلم والأخذ بأسباب الحضارة بطريقة محايدة وغير مرتبطة بالتمدن الفرنسي، كما فعل زملاؤه السابقون، فقد استوحى التراث الإسلامي. وكان يعرف أسباب نهوض وسقوط الأمم، وتقدم العلوم في الأمة الإسلامية في عصورها الذهبية، فدعا قومه إلى النهضة العامة متأثرا، ربما بالنهضة العربية - الإسلامية في المشرق على يد الأفغاني وخير الدين التونسي. ثم إن المجاوي كان قد عاش في المغرب الأقصى وتلقى علومه هناك، فكان تازه الأول تأثرا إسلاميا عربيا لا فرنسيا. وقد جاء إلى قسنطينة مدرسا حرا، ثم أصبح أستاذا في مدرستها الشرعية - الفرنسية. وكانت أفكاره في الكتيب