ورغم إمكانات العقبي والإبراهيمي العلمية فاننا لا نعرف أنهما وضعا مشروعا لتفسير القرآن الكريم. كان كل منهما منهمكا في تكوين الجيل والتلاميذ ومحاربة خصوم الإصلاح والتمهيد للنهضة الوطنية. وكان الإبراهيمي بالخصوص قد تولى قيادة جمعية العلماء في مرحلة صعبة، منذ ١٩٤٠، وعاش خلال ذلك عدم الاستقرار الجسماني والنفساني: الاعتقال، وأحداث مايو ١٩٤٥، والسهر على معهد ابن باديس والمدارس الابتدائية، وإدارة البصائر، ومواجهة الهجمة الاستعمارية المتمثلة في قانون الجزائر (سنة ١٩٤٧)، ولعبة الأحزاب وتزوير الانتخابات، ثم حان وقت خروجه إلى المشرق وقيام الثورة. ونظن أنه لو استقر ووطن نفسه على كتابة تفسير للقرآن لكان بإمكانه ذلك. على أنه مثل عدد من زملائه كان يتناول تفسير الآيات في الدروس الشفوية وفي المقالات المكتوبة. وكان ربما أقدرهم على تشقيق المعاني وتوليد الأفكار والتطبيق على الحاضر، بطريقة لا تختلف كثيرا عن منهج ابن باديس ورشيد رضا.
٨ - من بين الكتب التي جمعت بين التفسير والدراسة للقرآن الكريم كتاب (الظاهرة القرآنية) لمالك بن نبي. صدر هذا الكتاب بالفرنسية في الجزائر سنة ٦ ١٩٤. وربما كان هو أول كتاب للمؤلف - بعد رواية لبيك (١) - وقد تناول فيه القرآن الكريم وإعجازه، وعلامات النبوة، ودرس فيه أيضا علاقة الدين بالنفس الإنسانية والغريزة، ونبه فيه الشباب الإسلامي، لا سيما المتعلم في البلدان الغربية، إلى تفادي الأخطاء التي يقع فيها المستشرقون أو دسائسهم أحيانا. ويعتبر كتاب (الظاهرة القرآنية) جديدا في بابه، كما لاحظ
(١) تذكر بعض المصادر أن (لبيك) قد صدرت سنة ١٩٤٧ بالجزائر، وأنها بالعربية. وأنها تمثل التفكير الاجتماعي للمؤلف. انظر أسماء رشدي (الإسلام في التاريخ والمجتمع)، الباكستان، معهد البحوث الإسلامية بإسلام آباد، ١٩٨٨. وهذا الكتاب ترجمة إنكليزية (من الفرنسية) لكتاب مالك بن نبي (وجهة العالم الإسلامي). انظر المدخل.