للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن علم الحديث يقوم على الرواية والدراية والحفظ بينما ذهب كل ذلك تقريبا مع اضمحلال المدارس والتعليم وهجرة الأكفاء من العلماء؟ أو هناك سر آخر، قد يكون هو طغيان التصوف على حياة الناس؟.

ولقد عثرنا في التراجم على بعض الإشارات إلى وجود شروح في الحديث النبوي، وبعض المؤلفات أو التقاييد حول صحيح البخاري وصحيح مسلم. ولكنها إشارات خاطفة وعناوين مجردة لا تدل على الجهد الذي يستحقه عمل في هذا المجال. وهكذا وجدنا إشارات في ترجمة أحمد العباسي، ومحمد بن يوسف أطفيش، ومحمد بن علي السنوسي، وأضرابهم. ويبدو لنا أن العناية بالحديث قد انقطعت أو كادت منذ الشيخ أبوراس الناصر، ولم تستأنف إلا على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس. وظلت مع ذلك مبالغة بعض الرحالة تؤكد أن علماء الجزائر مشهورون برواية الحديث .. وإقامة المولد النبوي مثل ما كان في القدم (١). وكان هذا الوصف قد صدر سنة ١٨٧٧. وكثيرا ما أطلق عبد الحي الكتاني وأمثاله من المهتمين بالأسانيد والإجازات أن فلانا كان (محدثا) وأنه يروى عن سلسلة طويلة.

وعلى ذكر هذه السلاسل نقول إن رجال التصوف قد اعتنوا بالرواية أيضا في هذا المجال، وكان لكل منهم سلسلته النسبية (الشرف) والطرقية. وربما اختلط على بعض المستعجلين أمر رواية الحديث وتصحيحها وإسنادها بأمر رواية الأنساب الصوفية ووارثي بركاتها. ولحاجة ما كان هناك تنافس بين رجال الحديث ورجال التصوف.

ومن كبار المحدثين عبد الله سقاط وهو حفيد عبد القادر المشرفي. وذكره الطيب بن المختار في (القول الأعم) ووصفه بـ (إمام الحديث). ثم أضاف أنه كان عالما بالعربية والتاريخ، وأنه تولى القضاء في العهد العثماني وفي عهد الأمير عبد القادر. وكان سقاط (ينطق أيضا سقط) قد أوفده الأمير إلى سلطان المغرب ونجح في وفادته، ولما وقعت كارثة الزمالة (١٨٤٣)


(١) أبو حامد المشرفي (ذخيرة الأواخر والأول)، مخطوط، جزء ٢، ص ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>