الصوفية الموالين، وجعلهم يعلنون عن ولائهم (وينصحون) مسلمي الجزائر بعدم اتباع الدولة العثمانية لأنها انحرفت عن جادة الإسلام بارتمائها في أحضان ألمانيا وتضحيتها بمصالح المسلمين. وقد تعرضنا إلى ذلك في محله.
أما ما نريد أن نتعرض له الآن فهو تجنيد بعض العلماء الجزائريين للرد على فتوى شيخ الإسلام بأسطانبول. ولنتذكر أنه لم يكن للجزائر شيخ للإسلام في العهد الفرنسي، وليس هناك (مفتي الديار)، وإنما هناك مفتون محليون لا فرق بينهم وبين الأيمة العاديين تقريبا. ومعنى ذلك أن السلطة الفرنسية في الجزائر لم تجد شخصية دينية في وزن شيخ الإسلام بأسطانبول. لذلك لجأت إلى شيخين من شيوخ العلم والدين، أحدهما معروف وهو بومزراق (الونوغي) المقراني، وهو ابن أحمد بومزراق المقراني، الذي خلف أخاه محمد المقراني في ثورة ١٨٧١. وقد أصبح بومزراق المقراني معروفا بالونوغي فقط، وكان متوليا للقضاء في ناحية الشلف. أما الثاني فهو عبد الرحمن قطرانجي. وهو غير معروف بعلمه عندئذ ولا بمؤلفاته، ويبدو أنه من رجال الدين بالعاصمة ومن الأصول العثمانية.
في أول الحرب عينت السلطات الفرنسية الشيخين المذكورين: الونوغي وقطرانجي إمامين للجيش، أو بعبارة أخرى للمجندين الجزائريين في الجيش الفرنسي. فانتقلا إلى أوروبا، واستقرا في فرنسا. فهل كان عملهما هناك دينيا فقط؟ الغالب أن الأمر أكثر من ذلك. لقد كان دورهما هو ما نسميه اليوم بالحرب النفسية أو التوجيه المعنوي. وذلك لا يكون إلا إذا كانا مقتنعين غاية الاقتناع بمهمتهما الحساسة. الرسالة التي صدرت عن مفتي اسطانبول عنوانها (المسلمون في الجيش الفرنسي)، حوالي ١٩١٥. وهو تاريخ دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا والنمسا. أما الرسالة (الكتيب) التي حررها الونوغي وقطرانجي فعنوانها (القول الناصح في مجادلة المائن الكاشح)(١). والمجادلة هنا وإن كانت فى ظاهرها دينية، فانها فى
(١) ط. حوالى ١٩١٥. اطلعنا عليه فى الجزائر خلال السبعينات.