للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسبوعية أو شهرية للمؤدب فقد كان آباء التلاميذ يرسلون أشياء أخرى غير مالية إلى المؤدب كالثياب والحطب والزيت والحلويات والقمح واللحم والزيتون ونحوها. وهذا كله يتوقف على وضع العائلة ومكانها في الريف أو المدينة، كما أنه يشير إلى الأمور الظاهرة والمتعارف عليها بين الناس. ولكن هناك أمور أخرى بين المؤدب والآباء لا يعلمها إلا الله وأصحابها. فبعض الناس كانوا يعولون المؤدبين خفية محتسبين ذلك عند الله، فكانوا يرسلون إليه العشاء كل ليلة ويدفعون إليه مالا كل يوم جمعة أو آخر كل شهر.

ولكن إذا كانت أجور المؤدبين وافرة ومستقرة نسبيا فإن مرتب المدرس والأستاذ كان غير مستقر وغير مضمون. فالوقف قد ينضب وقد لا يكفي حاجة الجامع والزاوية. والهدايا قد لا تأتي في مناسبتها لأنها مرتبطة بأمزجة أصحابها وظروف العائلات وكرم الحكام. وما دام المدرس والأستاذ لا يشعر بالأمن في رزقه، لأنه لم يكن يتمتع بأجر ثابت من بيت المال، فإن التعليم في الحقيقة كان هو الضحية. وقد اضطرت الحياة الاقتصادية عددا من خيرة الطلبة والأساتذة إلى الهجرة إما لطلب المزيد من العلم وإما لطلب العيش في ظروف أفضل. وكان ضيق مجال العمل أمام المتعلمين سببا آخر في نفور المعلمين من البقاء في الجزائر. فإذا تحدثنا عن انتشار التعليم في الجزائر العثمانية فلنتذكر بأنه كان في جملته تعليما ضعيفا لا يقدم كثيرا للأمة ولا يحرك آمال الشباب ولا يثير فضولهم ولا يفتح أعينهم وعقولهم على عوالم جديدة وأفكار حرة وغريبة عنهم. وقد سبق أن قلنا إن أساس التعليم كان الدين لا الدنيا أو الجمع بينهما. وقد روي عن أحد مشجعي التعليم في القرن الثاني عشر أنه كان يطوف المدارس وينصح الطلبة بالعمل مرددا هذا البيت:

وارغب لكفك أن تخط بنانها ... خيرا تخلفه بدار غرور (١)


(١) شير بونو (روكاي) ٨٥٦ ١، ١٣٢. والإشارة إلى رضوان خوجة، قائد الدار بقسنطينة الذي أسس زاوية تحمل اسمه ودفن بها سنة ١٢٢٠. وكان من أنصار أفكار صالح باي.

<<  <  ج: ص:  >  >>