الدارسين أن المصابين ببعض الأمراض المذكورة لا يعيشون طويلا لأن المرض سرعان ما يقضي عليهم. ولا بد من الإشارة إلى أمراض أخرى كالصفير (بتضعيف الفاء)، والربو، والأورام، والهيستيريا، والصرع، والعقم، ولدغة الحشرات السامة كالعقارب والثعابين، ثم الكلب؛ وقد لاحظ الأطباء ندرة مرض الزهري بين الجزائريين، وكان من الأمراض التي أدخلها الفرنسيون معهم.
وعقيدة الشعب في الطب والعلاج مع ذلك كانت قوية. ولكن الجهل جعلهم يتجهون إلى الاستعمالات التقليدية واللجوء إلى حكمائهم ومرابطيهم. كما أن احتكار الطب والعلاج من قبل الفرنسيين جعل الجزائريين لا يقصدون المستشفيات الفرنسية. وقد قيل إن الوزير الفرنسي المسؤول على الجزائر أمر سنة ١٨٤٩ بأن يوجه الأطباء الفرنسيون أنفسهم إلى بيوت الأهالي للعلاج دون مقابل. وكانت الوزارة تعتقد أن ذلك يساعد على التقارب مع الجزائريين ودمجهم في المجتمع الفرنسي. كما أن السلطات أنشأت دورا خاصة بالأيتام والعجزة ونشرت بينهم فكرة العلاج. ففي ١٨٤٩ كان حوالي ٦٠٠ طفل يتيم في هذه البيوت. وقد ازداد العدد كثيرا بعد جوائح ١٨٦٧. وشاركت الكنيسة بمؤسساتها الطبية في جلب الناس إلى النصرانية. ولارتباط الطب والعلاج بالسلطة الإدارية التي تجعل من العلاج وسيلة لنشر الحضارة وبالكنيسة التي تجعل من العلاج وسيلة للتنصير - كان الجزائريون يتوجسون خيفة من الاختلاط بالفرنسيين سواء في مجال العلاج أو في مجال التعليم. ولكن ذلك لا يعني المقاطعة المطلقة، كما رأينا. إن السلطات الفرنسية جعلت أيضا من العلاج الصحي وسيلة للمقارنة بين تأخر المسلمين وتقدم الفرنسيين، وبين بؤس العهد العثماني وسعادة العهد الفرنسي.
وأمام تحفظ الجزائريين من تقديم أنفسهم لمعالجة الفرنسيين، لجأ هؤلاء إلى مختلف المغريات. من ذلك الإعلان على أن التلقيح طريقة يستعملها أمراء المسلمين مثل باشا مصر وسلطان اسطانبول، وكذلك