للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فإن المرأة المتعلمة في هذا العهد لم تكن كبيض الأنوق: فنحن لا نتصور أن مجتمعا فيه أهل الأندلس وفيه مثقفون درسوا التاريخ الإسلامي ودور المرأة فيه يبخلون بتعليم بناتهم ولو تعليما متواضعا يفقههن في الدين ويدخلهن إلى قواعد اللغة. فنحن نتصور، لأن الوثاتق قليلة، أن بعض الآباء قد علموا بناتهم القراءة والكتابة وبعض القرآن الكريم وقواعد الدين ومبادئ اللغة، وهناك بعض النصوص المؤيدة لما ذهبنا إليه. فقد ذكر ابن مريم أن سليمان بن أبي سماحة قد اختصر صغرى محمد السنوسي في التوحيد للنستاء والعامة (١). كما ذكر محمد بن سليمان أن العالم الصوفي عبد الوهاب بن حميدة كان شيخا لأمه (٢). وأخبر أبو راس أن أمه كانت كرابعة العدوية علما وتقوى (٣). أما الورتلاني الذي طالما هاجم سفور المرأة حتى الريفية، كما فعل مع نساء زمورة، فقد ذكر أن إحدى زوجاته كانت تحفظ ربع القرآن والوظيفة الزروقية وأجزاء من رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وأن زوجته الأخرى كانت تنسخ الكتب، وأشار إلى أنه كان لجده بنتان كل منهما قد نسخت كتاب (التوضيح) (٤).

ولا شك أن كلام الورثلاتي المتصوف المحافظ يخالف ما نسب إلى الأمير عبد القادر من قوله بأن المسلمين لا يعلمون بناتهم مخافة أن تراسل الفتاة من تحبه بالرسائل الغرامية (٥)، فالتعليم كان قبل كل شيء لرفع الأمية واستجابة لدعوة الدين في طلب العلم ومعرفة الفروض وليس لأغراض أدبية


= حملة عسكرية بابتعاد النساء والصبيان من طريقهم. ومع ذلك لا يخضع هؤلاء الجنود لأي عقاب على فعلهم.
(١) ابن مريم (البستان) ص ٣١٤. انظر أيضا بارجيس (تكميل تاريخ بني زيان)، ٤٧٤.
(٢) ابن سليمان (كعبة الطائفين) ٣ - ٢٦٤ نسخة باريس.
(٣) انظر (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر) ج ١.
(٤) الورتلاني (الرحلة)، ٧٥.
(٥) ايمريت (مجلة التاريخ الحديث والمعاصر)، ١٩٥٤، ٢٠٢، وكذلك يوجين دوماس (الخيول العربية)، انظر أيضا (تحفة الزائر)، ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>