للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقضي التلميذ بقية السنوات (في العادة إلى الرابعة عشر أو أكثر) في تكرير القرآن على شيخه برواية ورش وقالون وغيرهما .. ومساعدته على التلاميذ الصغار، كما أنه يأخذ في إتقان الكتابة والقراءة وتعلم مبادئ الحساب وقواعد الدين وحفظ بعض المتون التي ستكون أساس تعلمه الثانوي، وخلال هذه المرحلة أيضا (الابتدائية) يتعلم التلميذ الخط ويجوده (١) وكان بعض المؤدبين يسلكون مع تلاميذهم مسلكا تربويا جيدا فيشاطرونهم ألعابهم ونحو ذلك، فقد روى محمد بن سليمان أن مؤدبه، وهو عمر بن يوسف، كان يخرج مع الطلبة يوم الخميس إلى المرجع خارج تلمسان ويلعب معهم الكرة (٢).

ولولا الاحتفالات التي أشرنا إليها والتي تكون عند ختم القرآن أو عدة أحزاب منه لكان هذا التعلم مملا، فقد كانت تلك المناسبات الاجتماعية تخفف على التلاميذ، وعلى المؤدب أيضا، بعض الملل والرتابة، ذلك أن التلاميذ كانوا ينطلقون في شوارع الحي أو طرقات القرية في براءة ونشاط معلنين نجاح زميلهم ومرددين عبارات البشائر والتهاني، ثم يذهبون إلى منزله ليأكلوا ما أعدته لهم أمه وأهله الفرحون بالنجاح. ويشترك معهم في ذلك أهل الحي أو القرية، وقد تتهاطل الهدايا على المؤدب الذي بفضله نجح التلميذ، وكثيرا ما كانت الأمهات تفاخر بهذا الحادث وتنشد له الترنيمات والأغنيات فرحا بمستقبل أبنائهن.

ولم يكن الانتقال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي يتم بطريقة منتظمة، فكثير من التلاميذ كانوا ينقطعون، ولا سيما أولاد الفقراء كما سبق


(١) شيلر، ٥٨، وايمريت (مجلة التاريخ الحديث والمعاصر)، ١٩٥٤، ٢٠٢. وقد ادعى هذا الكاتب أن تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن لم يكن سهلا على التلميذ لأن العربية (لغة أجنبية على الطفل) ولو درس ايمريت وأنصف لوجد أن تعلم الأطفال الجزائريين العربية وحفظهم القرآن بها كان يعود إلى كون المادتين (القرآن والعربية) تمثلان أساسا ثقافة المجتمع الجزائري.
(٢) محمد بن سليمان، (كعبة الطائفين) ٣/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>