ذلك عن طريق السماع وإنما كان عن طريق المشاهدة والمعايشة. وكان يقارن ما كانت عليه بلاده الإسلامية (منها الجزائر) وبين ما أصبحت عليه أوروبا. ولكننا لا نعرف أنه كتب أو عبر عن آرائه في ذلك قبل ١٨٣٠. كان يتولى التجارة مع الأوروبيين ومع الشرقيين، وكان يسافر لزيارة عاصمة الدولة العثمانية وأقاليم هذه الدولة، وكذلك لزيارة أوروبا الغربية والشرقية. وكان لخاله دور في تسيير شؤون الدولة. وربما كان حمدان غير راض بما كان عليه حال الدايات ابتداء من مصطفى باشا في أول القرن، وكان بحكم تعاطيه التجارة ناقما على نفوذ بعض العائلات اليهودية لدى رجال الدولة، وكان لهذه العائلات، مثل بكري، نفوذ في أوروبا واحتكار للأسواق الجزائرية باتفاق مع الدايات، ولكن حمدان وربما غيره أيضا من أحفاد العثمانيين في الجزائر، كانوا ناقمين على الوضع ويتمنون تغيير الأحوال.
وكان هذا الموقف من السلطة عندئذ هو الذي جعل حمدان يظن خيرا في الحملة الفرنسية ويصدق وعود قادتها بأنهم إنما غزوا الجزائر (لتحريرها) من استبداد الداي والأتراك. ولعل ذلك هو ما جعله يتعامل مع بورمون. وكان أحد أبنائه (وهو حسن) هو الذي شارك في وفد المفاوضة مع القائد الفرنسي حول مصير البلاد ومصير الداي. ولا ندري كيف وأين تعلم ابنه هذه اللغة الفرنسية حتى أصبح من المتفاوضين بها. ولكن بورمون لم يبق في الجزائر إلا حوالي شهر ثم عزل وحل محله كلوزيل، فقلب الوعود وجاء بفكرة الاحتلال الدائم والاستيطان، ثم خلفه روفيقو فكان أسوأ من سابقه في توظيف الوسائل البوليسية للقضاء على أعيان البلاد ومنهم خوجة. وبعد أن ظن خوجة أن عهدا جديدا قد أتى مع بيرتزين (القائد الجديد) إذا به فاجأ برجوع غريمه كلوزيل إلى الحكم (١٨٣٥). فتأكد خوجة أن صوته قد انقطع وأن عودته إلى الجزائر من فرنسا أصبحت مستحيلة وحيل بينه وبين شعبه. فاختار اللجوء إلى اسطانبول.
ومن هناك ظل يحرض السلطان (محمود ثم عبد المجيد) على نصرة الجزائر ويترجم لهما الوثائق والرسائل التي ترد إليه من أعيان البلاد ولا سيما