للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تونس التي رجع منها حوالي ١٩٢٧.

ومهما كان الأمر فإن الميلي بدأ نشاطه الاصلاحي والتأليفي في الأغواط. فهل اختار الأغواط من تلقاء نفسه أو وجهه إليها ابن باديس؟ ولقد تعرف الميلي هناك على مجموعة من الشباب اليقظ والمزدوج اللغة (١)، كما وجد فيه هذا الشباب الرجل المتنور الذي يعالج قضايا العصر بروح جديدة بعيدة عن الخرافات والأوهام. فقد كان (عقلانيا) في تناوله لقضايا المجتمع والدين، وذلك ما جعله أقرب إلى التاريخ من غيره من العلوم. وكانت المدرسة في الأغواط تشهد نشاطا غير عادي في عهده، مما جعل السلطة الفرنسية تخشى من تأثيره على الشباب والسكان عامة. فكلامه جرئ، والتلاميذ يتلقونه منه بحماس ولكن دون فهم، حسب العيون الفرنسية التي تبثها السلطات حوله، وكان الميلي مسموع الكلمة بينهم. وقد ذكر علي مراد أن الميلي اعتمد في الأغواط على عائلة جلول بن فرحات (وهو الخليفة) ومن أصول ريفية - بدوية، على أساس أن المذهب الاصلاحي الذي يدعو إليه لا يتعارض مع مصالح فرنسا، وقال إن الخليفة جلول دعمه لمصلحته أيضا لأنه كان في حاجة إلى دعم سمعته والظهور بحب الاصلاح، وتفادى الميلي التعامل مع عائلة ابن سالم التي كانت مرتبطة بالطريقة التجانية، وكانت هذه ضد الإصلاح (٢). وكان ذلك الموقف ربما وراء أمر السلطات له بمغادرة البلاد بعد سع سنوات. فذهب أولا إلى بوسعادة، وقام فيها بنفس الدور. ولكن السلطات كانت له بالمرصاد واتهمته بالجرأة وأمرته أيضا بالخروج من بوسعادة. وتحت غطاء الحالة الصحية، رجع إلى ميلة وانتصب للتدريس والنشاط الأدبي والإصلاحي منذ حوالي ١٩٣٣.

كانت جمعية العلماء عندئذ في الثالثة من عمرها وطريقة ابن باديس في


(١) ذكر منهم ثلاثة هم: عيسى الزهار (ترجمان) ومحمد التهامي (ترجمان) وعمر دهينة (مدرس ورسام). وقد شكرهم على مساعدته.
(٢) علي مراد (الإصلاح الإسلامي)، ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>