صدرت من شخص مارس وشاهد ما كان يتحدث عنه. وهو نقيب الأشراف في مدينة الجزائر، حيث كانت له مكانة معنوية مرموقة لدى الشعب والحكام. واسمه هو أحمد بن الحاج علي الشريف الزهار. وقد تعرضنا لأسرته في الحديث عن الزوايا والمساجد (١). ولد المؤلف في الجزائر سنة ١١٩٦ (١٧٨١)، ودرس على والده وبعض شيوخ العصر أمثال أحمد بن عمار ومحمد بن الشاهد وعلي بن الأمين. وتولى بعد أبيه نقابة الأشراف.
وعاصر الاحتلال الفرنسي وكان عمره إذاك حوالي خمسين سنة. وكان ممن نفاهم الفرنسيون، حسب رواية الشيخ أحمد توفيق المدني. ولعله من الذين اختاروا مغادرة البلاد بعد استيلاء الفرنسيين عليها انتظارا لجلية الأمر. ومهما كان الأمر فإنه توجه سنة ١٨٣٢، في عهد الدوق دو روفيكو الذي اضطهد السكان وشك في كل الناس (وكان من رجال الشرطة)، إلى تونس. وحضر دروس الشيخ إبراهيم الرياحي في الزيتونة. وكان الفرنسيون عندئذ يتآمرون على قسنطينة التي كانت تحت حكم الحاج أحمد، فدخلها الزهار من تونس، وانضم إلى الحاج أحمد ولكننا لا ندري متى كان ذلك. وبعد احتلال قسنطينة التحق الزهار بالأمير عبد القادر، ويقول الشيخ المدني إنه تولى الكتابة له وربما التحق به ومعه عائلته، لأن المدني يقول إن والدة الزهار كانت من بين الأسيرات اللاتي حملهن الفرنسيون إلى بلادهم، وربما كان ذلك في حادثة الزمالة (١٨٤٣). وذهب الزهار أيضا إلى المغرب الأقصى ونزل مدينة فاس سنة ١٢٥٩. ثم رجع إلى الجزائر بعد أن تغيرت الأحوال، ورجع أيضا إلى نقابة الأشراف، كما اشتغل بالتجارة.
وأثناء اشتغاله بالتجارة في دكانه كان يسجل ذكرياته عن العهد العثماني، الأحداث التي عاشها، وربما كانت له وثائق الأسرة تساعده على تسجيل الحوادث والأسماء. والمذكرات التي نحن بصددها هي نتاج هذه المر حلة من حياته.