ونهبت المكتبات. وانشغل الباقون من المتعلمين بحفظ الرمق وخافوا من الكتابة، بينما التحق بعضهم بالمقاومة التي تولاها عبد القادر بن محيي الدين في غرب البلاد والحاج أحمد في شرقها.
وقد تركت لنا فترة الأمير عبد القادر (١٨٣٢ - ١٨٤٧) مجموعة من التراث الأدبي سندرسه في محله، كالرسائل الديوانية، والمراسلات، والخطب. كما أن فترة الحاج أحمد (١٨٣٠ - ١٨٣٧) قد تركت بعض الإنتاج المتمثل في المحاضر والشهادات والمراسلات. وسنعرض إلى ذلك أيضا.
ومنذ الاحتلال، وظف الفرنسيون بعض الجزائريين في مختلف المجالات الدينية والديوانية والترجمة والصحافة (وهي فن جديد عليهم). فنشأ عندئذ أدب مختلف عن سابقه فكرا وروحا وأسلوبا، متأثرا بالمخالطات الاجتماعية والتأثيرات اللغوية والفكرية الفرنسية. ولم يظهر ذلك فجأة وإنما أخذ يتطور مع الأيام ويتسع مع الحاجة. فقد وظف الفرنسيون بعض رجال الدين في الإمامة والإفتاء والقضاء، كما وظفوا آخرين في التدريس والترجمة، وعينوا محررين ومصححين في الصحافة التي أنشأوها. وقد أصبح هؤلاء ينشؤون الرسائل الإدارية والمقالات الصحفية ويلقون الخطب الوعظية في الجمعة والأعياد على الطريقة الجديدة المعينة لهم من الإدارة الفرنسية. ومن ثمة أخذ ينشأ في الجزائر نوع آخر من الأدب العربي - الفرنسي أو (الفرنكو - أراب). وقد ظهر ذلك في رسائل رجال الدين إلى الإدارة الفرنسية (١). وفي مقالات أحمد البدوي وأحمد الفكون وعلي بن عمر وأضرابهم الذين تعاملوا مع جريدة (المبشر). وسيتوسع هذا الفن ليشمل العرائض أيضا. ويجب أن يكون مفهوما من البداية أن هذا النوع من الإنتاج العربي - الفرنسي (أو المتفرنس) قد استمر طيلة الاحتلال واتخذ لذلك
(١) انظر دراستنا (من رسائل علماء الجزائر في القرن الماضي)، في (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج ٣.