بالإضافة إلى فقد والديه دفعة واحدة. فلم يلبث بعد ذلك إلا حوالي سنة في هذه الزاوية دارسا فيها على أخ الفقيد الشيخ أبي علي آبهلول وغيره، قبل أن يعود إلى الجزائر، وهو يخبرنا أنه قد وجد هناك شيخه المطماطي قد تولى وظيفة الفتوى والإمامة بالجامع الكبير، وكان المطماطي مدرسا أيضا بنفس الجامع، لذلك عكف الشاب سعيد قدورة يدرس على الشيخ المطماطي جملة من العلوم منها مختصر خليل وابن الحاجب في الفقه وكذلك الفرائض والتوحيد، وكأنه كان في نفس الوقت يتدرب على المسرح الذي سيمثل عليه هو نفس الدور بعد بضع سنوات.
وكعادة الطلاب الطموحين الراغبين في الاستزادة من العلوم المهمة سافر سعيد قدورة بعد ذلك إلى تلمسان حوالي سنة ١٠١٢، أي بعد إقامة حوالي ثلاث سنوات بمدينة الجزائر، وكانت شهرة سعيد المقري بتلمسان عندئذ قد بلغت القاصي والداني، وخصوصا في العلوم العقلية. فقصده قدورة وتتلمذ عليه في الحديث والمنطق والبيان وغيرها. وكانت دروس المقري بالجامع الكبير بتلمسان. وقبل أن نعرف المدة التي قضاها قدورة في تلمسان وأثر المقري فيه سافر إلى صحراء فجيج وتافيلالت وسجلماسة ولقي في هذه النواحي بعض العلماء أمثال أحمد بن عبد الله السجلماسي الشاعر والكاتب والمتصوف الذي ثار واستولى على سجلماسة ودرعة ومراكش. وتقول بعض المصادر أن قدورة قد ذهب إلى الشيخ أحمد السجلماسي، (المعروف أيضا بابن أبي محلى)، مع وفد تلمسان والراشدية لتهنئته على دعوته وثورته (١) ولا ريب أنه ذهب أيضا إلى فاس التي كانت مقصد الراغبين في الدراسات العالية. وقد أطال قدورة الإقامة في الغربة، بحثا عن العلم، إذ
(١) ذكر الناصري في (الاستقصاء) ٦/ ٣٠ أن ابن محلي نفسه قد ذكر في كتابه (أصليت الخريت) أن قدورة كان من تلاميذه. وكان ابن أبي محلي أديبا وصاحب تآليف. وقد قام بدعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل إنه ادعى المهدوية وبالغ في التصوف، وقد مات حوالي سنة ١٠٢٢. وذهاب وفد تلمسان إليه أمر يلفت النظر ويحتاج إلى دراسة نظرا للعلاقات العثمانية - الشريفية غير المتوازنة.