وإذا كان محمد وأحمد ابني سعيد قدورة من الصلب فإن له أبناء روحيين تخرجوا على يديه في حلقات الدرس أو بالرواية عنه أو الإجازة. وكان فيهم الذكي النابه والغبي الخامل، وفيهم الجزائريون وغيرهم. وكان يكفي أن يقال عندئذ أن هذه المسألة رويت عن سعيد قدورة حتى يسكت المعارض ويصدق السائل. وانه يكفي أيضا أن يقال إن هذا الطالب أو العالم قد درس على قدورة أو أجازه حتى يقر له بالعلم. فالشيخ كان يجمع المادة إلى الروح أو المال إلى العلم. وإذا كانت المادة إلى فناء فإن الروح إلى بقاء. لذلك انتشر طلاب سعيد قدورة في كل صقع حاملين في صدورهم الولاء له والعلم منه. وقد بالغ المعجبون والمؤمنون به حتى أنهم وثقوا فيمن روى عمن روى عنه. وظلت هذه السلسلة متواترة بين العلماء المسلمين إلى الوقت الحاضر. وإذا كانت مزية قدورة في الوظائف الرسمية قد تتساوى مع مزايا غيره فإن مزيته العلمية والدينية (وكان الدين هو أساس العلم) لا يمكن أن تتساوى مع مزايا غيره. فقد أثر في جيله بل في الأجيال اللاحقة له تأثيرا لم يبلغه إلا القليل من العلماء.
وتطول القائمة لو أردنا ذكر من نعرف من تلاميذه، فما بالك لو حاولنا أن نذكر منهم من لا نعرف. ويكفي أن نذكر هنا جملة منهم للدلالة على تأثير مدرسة هذا الرجل. فمن تلاميذه عيسى الثعالبي الشهير بأسانيده في الحديث والذي سنعرض لحياته في الجزء الثاني، ومحمد بن عبد الكريم الجزائري الذي قيل عنه إنه كان دائرة معارف في الأدب والتاريخ. وقيل إن قدورة كان (عمدته) وقد عاش محمد بن عبد الكريم في المغرب أيضا ثم رحل إلى المشرق وأخذ به العلم. وكان أيضا مقربا إلى السلطان المغربي المولى إسماعيل. وكان يحيى الشاوي الملياني من تلاميذ قدورة البارزين أيضا. وبلغت شهرة الشاوي في المشرق مدى واسعا كما سنرى في الجزء الثاني. ومن علماء الجزائر الذين أخذوا عن قدورة أيضا عمر المانجلاتي الذي كان يحب شيخه ويقدره. والمانجلاتي هو أستاذ ابن زاكور المغربي. وكان محمد بن أحمد الشريف الجزائري ممن روى عن قدورة أيضا ولكن بطريقة