زار بنفسه العاصمة وقسنطينة، وألقى درسا جامعا، وأقام حوالي عشرة أيام، والتقى بالعلماء الرسميين والأحرار. وبعد وفاته رثاه بعض الشعراء، منهم محمد بن القائد علي الذي لم نقرأ له شعرا آخر غير هذا الرثاء، وكان إماما بالجامع الجديد في العاصمة، أي أنه كان من رجال الدين الرسميين، وتدل عبارته على تمكنه من الشعر. قال متأثرا:
غاض بحر العلوم أين العزاء ... وعيون الأنام سحب دماء
فبكى المسلمون حزنا عليه ... وبكى الدين والتقى والحياء
وبكى الفضل والفضائل طرا ... عن إمام الورى يحق البكاء
(عبده) الفيلسوف أحيا قلوبا ... ميتات أماتها العلماء
حجة الله والرسول بعصر ... جاء يهدي أقوامه فأساؤوا
وبعد أن ذكر ما للشيخ عبده من مؤلفات وتفسير، ومواقفه الإصلاحية، أشار إلى زيارته للجزائر سنة ١٩٠٣؛ وقد اختصر رشيد رضا القصيدة الأصلية ربما لطولها:
قد سعدنا بزورة منه جاءت ... بسعود يفسر منها الشقاء
كم سهرنا ومنه نلنا علوما ... ما سمعنا بها ولا الآباء
لم تحط ألسن الرثاء بفضل ... لم تسعه الغبراء والخضراء
رب انزل عليه وبل رضاء ... في رضاء، فنعم ذاك الرضاء (١)
ولكن أبرز المعجبين بالشيخ عبده هو: عبد الحليم بن سماية ومحمد بن مصطفى خوجة. ومع ذلك لا نجد لهما شعرا في رثائه. وكان الثاني شاعرا قويا، حتى قيل إن له ديوانا ضائعا. فهل الإهمال راجع إلى الشاعرين أو إلى رشيد رضا الذي لم يضمن ذلك تاريخه عن الشيخ محمد عبده؟.
ومن أجود الرثاء ما قاله محمد العيد في الشيخ عمر المختار الذي
(١) تاريخ الأستاذ الإمام ٣/ ٣٠٣ - ٣٠٤.