للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الشعر الذي قيل في تقريظ الكتب التاريخية، مثل كتاب الجزائر للمدني وتاريخ الجزائر للميلي فخر بالعرب والبربر واللغة العربية والإسلام، ومنجزات الجدود، والرصيد الحضاري. وهكذا تحول الفخر من شخصي إلى جماعي، أو إلى شعب كامل وبلاد متسعة تتطلع لغد عظيم.

أما الهجاء فقد أشرنا إلى بعضه ومناسبته. وهو قليل بالفصحى، ولكنه كثير بالعامية. ولعل ذلك راجع إلى أن الشعراء لم يجدوا أين ينشرون شعر الهجاء، كما وجدوا أين ينشرون شعر المدح والدين ونحوهما. ثم إلا الشعراء بالفصحى كانوا قلائل، وكانوا يشتغلون عموما بالتعليم والقضاء، فلم يروا من اللائق بهم التهاجي فيما بينهم. أما هجاء الشعراء للحكام الفرنسيين فلا نعلم أن شاعرا قد حاوله. ولا نرى داعيا لتكرار ما قلناه من أن الهجاء ظهر عند الشيخ عاشور الخنقي ضد الشيخ محمد الصالح بن مهنة، وضد الشيخ عبد القادر المجاوي، وربما هجا الشيخ عاشور أيضا محمد بن عبد الرحمن الديسي وغيره. ولا نستبعد أن يكون علماء الأربعينات من القرن الماضي، وهم مصطفى الكبابطي وقدور بن رويلة وابن الشاهد وابن الحفاف، قد تبادلوا الهجاء أيضا لأنهم اختلفوا حول رأي الدين من الهجرة إلى المشرق اختلافا كبيرا. كما سبقت الإشارة إلى قصيدة الهجاء التي صدرت عن الطيب بن المختار في المفتي أحمد بوقندورة. وقد اتهمه فيها بالجهل وعدم الأهلية للفتوى.

ثم تطور الهجاء كما تطور الفخر، فعند ظهور حركة الإصلاح وركود الطرق الصوفية جرى تبادل الشعر الهجائي بين الفريقين، ولكنه لم يكن شعرا فرديا، أي لا يهاجم شيخ التصوف لذاته، ولكن لعقائده المنحرفة وعلاقته بالإدارة، بينما أهل الطرق كانوا يهجون خصومهم بالحداثة والزندقة والخروج عن الجماعة. ومن يقرأ الصحف التي ظهرت خلال الثلاثينات وأوائل الخمسينات سيدرك ذلك. ومع ذلك فإن الشعراء الكبار قلما شاركوا في هذا النوع الجديد من الهجاء، لأنهم ربما كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>