الإطلاع دقيق النقد. كان يمتهن عدة مهن. درس في مدرسة الجزائر الرسمية عندما كان مديرها هو حسن بن بريهمات. وتعاطى تجليد الكتب ونسخ المخطوطات، ولعل عدم توظيفه في وظيفة رسمية - مثل خريجي المدرسة - يرجع إلى حدبة ظهره. وهي عاهة عند البعض. ولعله فضل الاستقلال بنفسه وامتهانه المهن الحرة دون الدخول في أسر الوظيف الرسمي. ويقول أحد المصادر إنه ظل ثلاثين سنة يكتب الشعر ويغني بسخرية عن كل عين من أعيان مدينة الجزائر.
وقصيدته (العيساوية في باريس) وجدناها مترجمة من الفرنسية إلى الإنكليزية، ولم نهتد إلى أصلها العربي. وهي قصيدة قالها عند سفر فرقة من الموسيقيين والمغنين وإخوان العيساوية إلى باريس ليشاركوا في معرض باريس الدولي سنة ١٨٦٧. وكانت الفرقة تحت إشراف دنيال سلفادور، أستاذ الموسيقى. وكان التجار الأجانب يتاجرون بالفن الجزائري، فيأخذون أسافل الناس عادة ليغنوا ويرقصوا في باريس، على أنهم يمثلون الفن العربي الإسلامي الإفريقي. ومما لفت نظر الشاعر وجود العيساوية (١) المحسوبين على التصوف والدين ووجود التجار اليهود في هذه العملية، والغالب على الظن أن دنيال سلفادور منهم. كما ربط الشاعر بين ما كان يحدث في وطنه من نكبات وجوائح (وهي سنة المجاعة الشهيرة، ١٨٦٧) وسفر تلك الفرقة إلى باريس للغناء والرقص والمتاجرة بالدين والأعراض.
ولذلك بدأ الحدبي قصيده بالنداء الصارخ: تعالوا وانظروا ما حدث في هذه السنة الملعونة، من الزلازل وخراب المنازل والجراد والقحط والأوبئة. ثم إن الشاعر يطلب من المخاطبين أن يقارنوا ذلك بما راح وذاع من أن
(١) العيساوية إحدى الطرق الصوفية المعروفة في المغرب والجزائر. مؤسسها محمد بن عيسى من المغرب، وانتقلت إلى الجزائر، وعرفت بالرقص الصوفي والحركات البهلوانية، والتضارب الخشن والمداواة وإظهار الخوارق كاللعب بالنار والثعابين. انظر عنها فصل الطرق الصوفية.