جاء به فيرو هو: أن أحمد باي تأثر بفكرة القصر بعد زيارته لمصر أثناء أدائه فريضة الحج، وأن الذين بنوه وتفننوا فيه هم من الجزائريين وليس من الأجانب، كما ادعى البعض. وأخيرا ألح فيرو على كون الحاج أحمد استولى على دور كثيرة لبناء القصر واستبد بالحكم والرأي حتى أن بعض العائلات التي لم تستجب لطلبه في المساعدة فرت إلى الفرنسيين. هذه هي الأفكار الجديدة حول القصر، كما نلمحها في كتابات فيرو (١). وهو لم يكتب عنه معجبا بل منتقدا خلافا لمن سبقوه إلى وصفه.
بعد أداء فريضة الحج ومشاهدة قصور مصر وكذلك المعالم التي تركها صالح باي في قسنطينة، عزم الحاج أحمد على بناء قصره الذي بدأه، كما ذكرنا سنة ١٨٢٦ وهو يومئذ باي، وانتهى منه سنة ١٨٣٥ وهو عندئذ باشا إذ بعث إليه السلطان محمود الثاني فرمان الباشوية. ولقد كانت الأسرة الباي بعض الدور حيث القصر. فأضاف إليها هو بالشراء والمصادرة دورا أخرى. وكلف أحد الإيطاليين من جنوة (من اليهود؟)، وكان يتاجر بالجملة في الحبوب بعنابة، أن يجلب إليه الرخام الأبيض من إيطاليا، وكل ما هو ضروري لزخرفة قصر منيف. وقد فعل هذا الإيطالي، واسمه (شييافينو) وحملت ألواح المرمر على ظهور البغال والإبل من عنابة إلى قسنطينة. وتسلم الإيطالي أجره حبوبا فحملها إلى ليفورنا، ثم أخذ البناؤون والفنانون في عملهم تحت إشراف قائد الدار، ابن البجاوي. وقد جيء بالمعماريين من كل أنحاء الإقليم، وعلى رأسهم الحاج الجابري والسيد الخطابي اللذان ذكرناهما من قبل. ويذهب فيرو إلى أن كليهما قد مارس البناء سابقا في الإسكندرية وفي تونس. وكذلك جاء الرسامون والنجارون من الأهالي. وجيء ببعض اليهود من تونس لوضع المربعات والنوافذ الزجاجية. وما عدا المرمر والزليج الملون فإن كل المواد الأخرى للبناء إنما جيء بها من المدينة أو مما حولها.
(١) كان فيرو مترجما رئيسيا في الإدارة بقسظينة عند كتابة كتابه عن القصر. ونتوقع أن معلوماته الشفوية قد حصل عليها من الشيوخ المسنين في وقته، إضافة إلى وثائق إدارة الحاج أحمد.