للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويطول بنا الحديث لو تعرضنا لذكر المناظرات والموضوعات التي طرحت فيها. ونحسب أنه تكفي الإشارة إلى المناظرة التي دارت بين المفتيين محمد النيار الحنفي وأحمد قدورة المالكي. فقد قيل إنهما اختلفا اختلافا شديدا وصل إلى تبادل الاتهامات. والسبب هو هل إذا اختلف الزوجان وأمرا بالإقامة عند أهل الفضل، هل يجبران على هذه الإقامة أو على تغيير المسكن؟ وبعد أن انعقد المجلس في الجامع الكبير، كما جرت العادة، دعاهم الباشا عنده في قصره بحضور العلماء. وأخيرا قرر الأخذ برأي المفتي الحنفي النيار وعزل المفتي المالكي قدورة (١). ولعل المناظرة التي جرت بين المفتي الحنفي عبد القادر الراشدي بقسنطينة وخصومه، والمناظرة الأخرى التي جرت بين محمد الزجاي وخصومه في معسكر تبرهن أيضا عما نقول. فقد اتهم الراشدي بأنه يقول (بالتجسيم) فانعقد المجلس وحكم بكفره وكادوا يقتلونه (٢). أما الزجاي فقد اتهم بادعاء الاجتهاد وإيثار طريق الأثر ووشى به خصومه إلى الباي فعقد مجلسا حضره الزجاي وخصومه وتناقشوا بحضور الباي والعلماء. وبرهن كل فريق على رأيه، فهو ينقل من الكتاب والسنة، وهم ينقلون عن الشيخ خليل وأمثاله. وتحولت المناظرة إلى مهاترة. وأخيرا قرر الباي صواب الزجاي وكافأه واعتذر له (٣). ومن هذه المناظرات تلك التي كانت أيضا بين المفتي الحنفي محمد بن العنابي وزميله المالكي، والتي أدت إلى عزلهما معا.

غير أن مجال التحرك العقلي لدى العلماء كان محدودا لظروف العصر، من هبوط في مستوى التعليم، وجهل الحكام، وانغلاق باب الاجتهاد، والاعتماد على النقل وحده. ومع ذلك فإننا نجد من وقت لآخر بعض الشذوذ في القاعدة ومحاولات لكسر هذا الحصار الحديدي. فهذا يحيى الشاوي كان كما قيل عنه (كثير الانتقاد لأهل عصره وغيرهم، وإذا اعترض عليه في


(١) ديفوكس (المجلة الإفريقية) ١٨٦٦، ٢٨١، عن ابن المفتي.
(٢) الحفناوي (تعريف الخلف) ٢/ ٢١٩.
(٣) (إتمام الوطر)، مخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>