للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديموقراطية اجتماعية ذات سيادة في إطار المبادى الإسلامية، (ولقد ظلت جبهة التحرير وفية - في نظره - لهذا المبدأ طوال سنوات الحرب (١).

لقد وضع ابن خدة خطا واضحا بين عقيدة الجماهير وعقيدة النخبة بالنسبة لهذه الإيديولوجية الثورية، فالجماهير كان حافزها الجهاد دون أن يكون في استطاعتها التعبير عما يحتويه من مفاهيم اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية ... أما النخبة، وهو يسميهم قادة المعركة، فقد كانوا في الخارج وكانوا متأثرين بالثقافة الأوروبية ومنها الإيمان بالاشتراكية وفضائلها، ولكن عن حسن نية ...

وربما هذا تبسيط ساذج للموضوع خصوصا عندما يدخل حسن النية، فالاشتراكية قناعة وعقيدة وليست تأثرا يمكن التخلص منه أو حلية تلبس ثم تنزع، وابن خدة نفسه يقول إن قادة المعركة بالخارج لم يحللوا الاشتراكية ولم يتعمقوا في معانيها ويقارنوا بينها وبين الإسلام الذي هو أساس هوية الجزائر الثقافية وضميرها الوطني ... وهنا انعكس التخلف الثقافي الذي كانت فيه البلاد إبان الاستعمار، مما أحدث فجوة وتناقضا بين القمة والقاعدة داخل الثورة، وقد ربط ابن خدة بين الفجوة خلال الثورة وغداة الاستقلال، فبينما استطاعت الجبهة أن تتفادى الخلافات الفكرية الداخلية أثناء الثورة فإنها لم تستطع أن تمنع تفجرها غداة الاستقلال، عندما تحول الأمر إلى صراع على الحكم، وهو الصراع الذي وصفه ابن خدة نفسه بالانقلاب الذي حطم وحدة جبهة التحرير وفتح الباب أمام الانتهازيين والمغامرين وأصحاب المذاهب الأجنبية اليسارية والماركسية وتسرب أصحابها إلى هياكل الدولة والحزب ومراكز القرار والنفوذ، ومن هنا بدأ انحراف الثورة في نظره عن إيديولوجيتها، والملاحظ أن أمثال ابن خدة قليل في الكتاب والمفكرين الجزائريين الذين تمسكوا بأن للثورة فكرها وفلسفتها النابعة من التراث العربي الإسلامي، ولا


(١) ابن خدة، شهادات ومواقف، دار النعمان، الجزائر، ٢٠٠٤/ ١٤٢٥، ص ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>