ومجموعة الستة فلم يجد من بينهم حاملا لشهادة الثانوية العامة.
صحيح أن الحياة السياسية في الجزائر كانت تربي الشباب على الوعي المبكر بحكم القمع والحرمان ومعاينة الجالية الأوروبية في نمط عيشها مما جعله يكتسب تجربة لا يكتسبها الشباب العادي إلا بعد طول مراس ومطالعة، ومن الخطأ أن نحكم على الثورة من طليعتها فقط، ذلك أن تقدم العمر بالثورة جعلها تكسب شبابا من حملة الشهادات وقادة حنكتهم الحياة السياسية تحت قوانين الإدارة الفرنسية، وقد حصل هذا بالتدرج، فانضم إلى الثورة أولا عناصر من ساسة الحزب نفسه (حزب الشعب) وهم المركزيون، وقد كان فيهم حملة الشهادات العلمية العليا أمثال ابن خدة وحملة الشهادات الثانوية أمثال عبد الحميد مهري ومحمد يزيد وسعد دحلب وعبان رمضان، كما انضم للثورة الدكتور محمد الأمين دباغين ثم فرحات عباس والدكتور أحمد فرنسيس والمحامي أحمد بومنجل ... ثم شيوخ جمعية العلماء، وبالتدرج انضم إلى الثورة عدد من الطلبة المتطوعين والصحافيين والمعلمين والسياسيين في الجزائر وخارجها، فلم يعد القرار في يد المناضلين الأوائل وحدهم.
كان يشاع أثناء الثورة وبعدها أن هناك تيارا ضد المثقفين حسدا لهم أو خوفا منهم، وأشيع وقتها أن هناك (تصفيات) وقعت في صفوف بعض المتطوعين الذين تخلوا عن مقاعد الدراسة والتحقوا بالثورة، فكان الواحد منهم يصفى لأتفه الأسباب أو لا يترك له المجال ليسهم في النضال بأنواعه، وكان السعيد منهم، حسب بعض الروايات، هو من كتب له أن يعود من حيث أتى بنصيحة من زميل له أو من ابن بلدته أو جهته، والأسعد من الجميع هو الذي يقال له عد وواصل تعليمك لأن الوطن سيحتاجك غدا وليس اليوم، وكنا نسمع ونحن طلاب في القاهرة، أن هناك تمييزا بين الطلبة في تونس فمنهم من يوجه إلى الجزائر (ليموت) ومنهم من يرسل سرا أو علنا ليدرس في الشرق أو الغرب ليكون عنصرا فاعلا في الجزائر المستقلة، هذه الروايات وأمثالها قد تكون مبالغا فيها أو لا تمثل إلا تصرفا فرديا ولكنها كانت تروج في أوساط الطلبة (المثقفين)