لبناء الحاضر، ولا تتناول ذلك بطريقة مباشرة شأن السياسيين والمؤرخين الأكاديميين، ولكنها تتناول ذلك بالأسلوب الأدبي الشفاف وبطريقة الإيحاء وبعاطفة هادئة لا تجرح ولا تقدح، رغم أنها تضع أصبعها على الجرح، وهي وإن عاشت زمن الثورة، فإنها لم تكتب عن الثورة مباشرة - حسب علمنا - ولكنها وصفت الظروف والأسباب التي أدت إلى الثورة، كما تحدثت عن معاناة المرأة والأطفال، والإنسان الجزائري عامة، نتيجة حرب التحرير، فهي لم تكن غائبة عن المشهد ولكنها كانت تصفه بأسلوبها الخاص، وقد ظهرت معظم أعمالها بعد الاستقلال.
نعم صعدت آسيا جبار (العالمية) بعد الستينات، وحظيت بالجوائز الفرنسية وغيرها، وترجمت أعمالها إلى عدد من اللغات التي منها الإنجليزية، وللأسف لم نعرف حتى الآن أن أعمالها قد ترجمت إلى العربية، رغم أنها تتحدث عن عالم عربي وإنسان عربي وتقدمه للقارى (العالمي) ولاسيما الفرنسي، ولم تبذل هي جهدا في إتقان اللغة العربية والكتابة بها على غرار ما فعل رشيد بوجدرة ومالك بن نبي، وكأنها استمرأت الحياة (الخارجية) مطلقة شعبها وأهلها، غير مبالية بهم فهموا دورها ورسالتها أو لم يفهموا، إنها أديبة ومؤرخة لأناس آخرين وليس لشعبها، وقد أعطاها هذا الخارج ما تريد وأكثر، ربما لأسباب معلومة وأخرى مجهولة، ولكن شعبها بقي يجهلها إلا القليل ممن يلفون لفها ويغزلون غزلها، والغريب أن الأدباء من أمثالها يطيلون ألسنتهم ويبرون أقلامهم للحديث عن (دور الأديب) في مجتمعه وشعبه، ولكنهم عندما يجد الجد نجدهم ينفضون من حوله ويختارون الاختباء وراء العالمية والشهرة ويهربون من التخلف وينسون (التزاماتهم) نحو أنفسهم وبلادهم، ولا نعتقد أن رأينا هذا يعد من باب الخطابية والوطنية الخشبية، بل أنه رأي يدين به أهل البلاد المتقدمة أنفسهم، فهم بالتحديد أدباء بلدانهم وليسوا أدباء بلدان أجنبية، ومن آخر أخبار آسيا جبار أنها انتخبت لعضوية الأكاديمية الفرنسية.