وفي الثاني من الشهر انتقلوا إلى دار الأوبرا ليشرعوا في التدريبات، وكان قد رافقهم الطاهر بوشوشي رئيس تحرير مجلة هنا الجزائر، ذهب بعضهم إلى نادي الأدباء والكتاب ولعل بوشوشي والبودالي كانا منهم فكلاهما من الأدباء البارزين، ومن الذين حضروا الحفل الرئيسي بدار الأوبرا رئيس الجمهورية ووزير الداخلية (ميتران) وغيرهما، وقد رفع الستار على منظر من ألف ليلة وليلة يتصدره هارون الرشيد في مجلس أنس وشراب .. وهو محاط بالجواري والشعراء والمطربين ... ذلك هو الشرق وتلك هي الجزائر الشرقية في عرف الفرنسيين، وفي هذه اللحظة تقدم سفير البودالي، بصفته مديرا للقسم العربي في الإذاعة الجزائرية (الفرنسية) وألقى كلمة شكر فيها لجنة الاحتفال، وأشاد بالفن الجزائري في ظل البنادق المشرعة ... وبعد ذلك بدأ التمثيل.
كانت هناك ترجمة مرافقة تساعد المتفرجين على فهم ما يجري، وكان البودالي نفسه يقوم بشرح مختصر باللغة الفرنسية، وقد مثل مصطفى كاتب دور الخليفة هارون الرشيد، ومن بطانته الفكاهي محمد التوري، وقامت بعض الفتيات بدور الجواري المغنيات، أما المنشدون فكان منهم عبد الرحمن عزيز ومحمد فؤاد ومحمد بن يحيى، وكان الجوق الفني يتكون من ٣٢ عازفا بإدارة مصطفى اسكندراني، وفي لحظة سريعة مفاجئة دخل بوعلام تيتيش وفرقته وهي تضرب الطبل وتصدح بالزرنة، فاستقبلتهم الجواري بالزغاريد.
لقد كان منظرا مؤثرا هذا الذي يجري على مسرح الأوبرا بباريس، وكان إعجاب الحاضرين واضحا من التصفيق وتتبع تفاصيل الحدث والموسيقى والمكونات الأخرى لهذه اللوحة الفنية، وختمت الفنانة هاجر المشهد برقصة الموت (؟)، وكان مصطفى بديع هو صاحب هذا السيناريو الذي يدل على موهبة بارعه، بينما قام البودالي بتفسير السيناريو للجمهور، أما الإخراج فقد قام به الحبيب رضا بمساعدة مصطفى بديع، هذا هو محتوى القسم العربي من الحفل الذي جاء، فيما يبدو، في غير زمنه.