باربيس نفي ذلك، أو بالأحرى قال إن المسألة ليست بهذه البساطة، والمحقق عنده أن الموسيقى الأندلسية أخذت في الازدهار في القرنين الثالث عشر والرابع عشر في قرطبة وغرناطة، أثناء ازدهار الحضارة هناك أكثر من أوروبا لأن الأندلس كانت تتمتع بازدهار العلوم والفنون ومنها الموسيقى، وكان الشعر الغنائي الغربي يرجع بأصله إلى الشعر الغنائي العربي، فقد شاع ديوان ابن قزمان وكتاب طوق الحمامة الذي كان من مصادر الشعراء الفرنسيين الجوالين، فكانت الموسيقى الأندلسية وسيلة من وسائل الترفيه لمجتمع بلغ درجة عالية من التقدم المادي والفني، مجتمع القرنين الرابع عشر والخامس عشر في الأندلس، وكانت هذه الروح الفنية المزدهرة تظهر في الزخارف والألوان المنتشرة ذات المباني والأشكال الهندسية المتمثلة في قصر الحمراء وجنة العريف بغرناطة وجامع قرطبة وقصر أشبيلية، وهو فن قائم على الخطوط الأنيقة المضاهية لرسوم ونحوت تلك المآثر العظيمة الخالدة.
إن السيد باربيس يربط بين الحضارة الأندلسية وبين موسيقاها الباقية في بلاد المغرب، ومنها الجزائر، فهي في نظره تعبير عما وصلت إليه الفنون والآداب والشعر خاصة، وما وصلت إليه الفئات الاجتماعية من بذخ احتاج إلى ترفيه وتسلية تتلاءم مع الذوق الناعم والحياة البورجوازية الراقية، فهل هذا صحيح؟ إن الكاتب يقول (إن الموسيقى الأندلسية تعزف على لحن واحد أساسي خالص وجميع الآلات المعبرة عنه والأصوات التي تشاركه ... تكون في تآلف واتحاد كاملين)، ولهذه الموسيقى أربعة مقامات أساسية هي: العراق ويمثل الجد والغلظة، والمزموم ويمثل اللطافة والحزن، والديل ويمثل القوة والحيوية، والجاركة وتمثل الروح الدينية، وقد قام باربيس بمقازنة هذه المقامات بما يقابلها في الموسيقى الإغريقية، وتبين له أنهما مختلفان وأن لكل منهما خصائصه المميزة.
كما قابل المقامات الأساسية الأربعة المذكورة بمقامات ثانوية هي: الحسين والصيكة والماية والرصد، ثم قارنها بمقامات أخرى فرعية تتمثل في: