القرآن الكريم وترتيله، ولم يخضعوا لمدرسة نقدية صارمة تقيم أعمالهم وتضعهم على المحك والطريق الذي يستحقونه، وإنما هي الموهبة والهواية، وبعضهم انضم إلى المغنين والملحنين بالصدفة ولم يخضع لتدريب ولا لمعاناة، حقا لقد كان بعضهم موهوبا فاعتمد على نفسه ولم يخضع للدربة والمران. وبدأوا هواة مغامرين حتى وصلوا إلى مستوى اعتقدوا أنه يؤهلهم للجلوس على عرش الفن، ومعظمهم اعتمد على الموسيقى الأندلسية والشعبية يدندن أو يرطن بهما، وكلاهما نوع من الموسيقى التي تستر عيوبهم عن عيون النقاد والمتذوقين، فهذه الموسيقى أصبحت - رغم رأي عمر راسم فيها - هي حمار الموسيقيين على غرار حمار الشعراء (بحر الرجز) يتسلقها كل غاو وكل طاو وكل عاو، ولكن لا بد من استثناء من لا يستحقون هذا الحكم وهم الذين درسوا وتعلموا وعانوا حتى وصلوا إلى مرحلة الجودة والإتقان والإبداع مثل محمد إيقربوشن.
عشت فترة في العاصمة في مرحلة الثورة، قادما إليها من تونس بعد التخرج من الزيتونة، وسكنت غرفة على سطح حمام شعبي بضاحية الحراش، وفي كل صباح كنت وصاحبي ننزل من السطح إلى بهو الحمام حيث نسمع ونحن نعبره الحاج محمد العنقاء وزملاءه يدندنون بكلام غير مفهوم لنا وبموسيقي ليس فيها - في نظرنا - سوى نقر العود وبعض الأنغام الرتيبة، نتوقف وننصت محاولين جهدنا فهم ما يغنى وموضوع الأغنية فلا نفهم شيئا، فنواصل سيرنا إلى هدفنا وهو المدرسة، وقد تكرر ذلك منا إلى أن صرنا نسمع فتقبل آذاننا وذوقنا ذلك النغم الرتيب والدندنة المملة، وكنا نكتفي بالقول لبعضنا إنه فن العاصمة ونحن فيها وعلينا أن نتأقلم ونقبل ما يقدم لنا على أنه فن وموسيقى وشعر جزائري.
وبعد حوالي عام كنت في القاهرة حيث أسمع - كما في تونس - الموسيقى والطرب الشرقي والشعر الفصيح والشعر الملحون (الزجل)، ومختلف الألحان الشرقية دون دندنة ولا كلام مغموم، وذات يوم كنا في نادي