الجهات أو حسب والطبوع قد تبلور في الخمسينات، فقد صنفت الموسيقى إلى: أندلسية وشعبية وعصرية ونحوها، كما صنفت أحيانا إلى الفن الصحراوي والقبائلي والوهراني والقسنطيني والتلمساني ... ونعتقد أن هذا التصنيف كان مقصودا ومدروسا، وهو من صنع وتكريس الفرنسيين حتى يبقى الجزائريون بعيدين عن الوحدة في تذوق فنهم والشعور بجمال طبيعتهم.
وللأسف فإن الجيل الذي تولى مقاليد الاستقلال من الجزائريين قد أبقوا على هذا التصنيف دون التفطن إلى ما وراءه من حبائل وفخاخ، بالعكس لقد تكرس هذا التصنيف اليوم بإنشاء إذاعات محلية تحافظ على خصوصيات كل ولاية وتغيب كل ما له علاقة بالروابط الوطنية من تراث مشترك وثقافة دينية ولغوية وشعور بالانتماء الحضاري الواحد، وقد أصبح لكل صنف جوقة أو فرقة فنية تعزفه وتختص به، ولكل جوقة فنانها الماهر الظاهر المتميز، فللأندلسي مثلا محمد فخارجي وعبد الكريم دالي ودحمان بن عاشور وللمالوف محمد الفرقاني، وللشعبي محمد العنقاء وتلاميذه، وللعصري عبد الرحمن عزيز ومحمد العماري، وقد ظهر متخصصون من الجزائريين ومن الأوروبيين (خصوصا اليهود) في دراسة كل صنف وتحديد معالمه وأصوله، وللوهراني أحمد وهبي والبلاوي الهواري، وللصحراوي أحمد خليفي ورابح درياسة وعبد
الحميد عبابسة، وللقبائلي سليمان عازم.
وأشار أحد الكتاب إلى وجود جمعية جزائرية للموسيقى الأندلسية. وانتقد مؤتمر القاهرة لسنة ١٩٣٢ الذي لم يحقق في نظره شيئا، كما عرفنا بوجود بحث كتبه جول رواني الفرنسي ونشره في دائرة المعارف الموسيقية، وقام السيد إسكندر شلفون بنقله إلى العربية وأظهر بعض هفواته، وهو البحث الذي استفدنا منه في الأجزاء السابقة من التاريخ الثقافي، وهناك مقال آخر عن الموسيقى الأندلسية عرض رأيين، رأي من يقول بتطوير هذه الموسيقى عن طريق استعمال الآلات الأوروبية ورأي من يقول ببقائها دون تطوير، أي على أصالتها، ودليل من يقول بالتطوير هو أن صاحب العمامة والجبة وغيرهما