الدينية والسياسية ولا سيما ثورة الشعوب المضطهدة في آسيا وإفريقيا، وكانت له فرص عديدة في الخطابة في منتديات جمعية الشبان المسلمين وجمعية الخريجين العرب والمؤتمرات الآسيوية الإفريقية وحتى في أروقة الجامعة العربية، وكان يتميز بالفصاحة والشجاعة الأدبية والتمرس على الجمهور وحضور البديهة والثقافة السياسية الواسعة، وكان يرتجل خطبه ولا يتلعثم ولا يمل، وكنا قد سمعناه في باتنة أثناء افتتاح إحدى مدارسها، ثم سمعناه في جمعية الشبان المسلمين بمصر، وفي الجامع الأزهر حيث كانت تتاح مناسبات إحياء ذكرى الثورة أو إقامة أسبوع للجزائر أو عند حادث اختطاف طائرة قادة الثورة ... فكان الشيخ المدني يهز الحاضرين بفخامة أسلوبه ونبرات صوته وهيئته الثابتة، فكان في الخطابة كمفدي زكرياء في الشعر السياسي لا يدانيهما أحد من الجزائريين فيما عرفت، وقد استمعت أيضا إلى الشيخ الإبراهيمي خطيبا ولكني لم أسمع الشيخ الورتلاني، ويقال إن الشيخ العربي التبسي كان في خطبه مؤثرا أيضا ولكني لم أره خطيبا، أما الشيخ الطيب العقبي فقد اختفى من الميدان في المرحلة التي نعالجها، رغم أنه محسوب على الخطباء المثورين في الماضي.
وقد سمعت السيد فرحات عباس يخطب بالفرنسية، فظهر لي أنه سياسي عقلاني محنك، سمعته وهو يلقي أول بيان للحكومة المؤقة في القاهرة، فكان يقرأ من ورقة أمام وسائل الإعلام وجمهور محدود، فلم يكن هناك مجال للخطابة المرتجلة بالمعنى الفني، ولكن شخصيته كانت قوية وصوته كان موزونا معبرا عن فكر نير، ثم سمعته في المؤتمر الرابع لاتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين بتونس (١٩٦٠) وكنت واحدا من الجمهور الذي غصت به القاعة من السياسيين والطلبة والإعلاميين، فكان عباس مع ذلك هادئا يخاطب العقل لا العاطفة، ويزن كلامه بدقة متناهية رغم أن الموقف كان يسمح له بالخروج عن التزمت الدبلوماسي إلى الخطابية والتوتر ومخاطبة الخصم بما لا تهوى نفسه. وكان فيما أذكر يلقي خطابه من أوراق وليس مرتجلا.