للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجبال القريبة من قريته دارسا متأملا يأتيه الناس بالطعام ويرد عليه التلاميذ للدرس، إلى أن استقر به الحال في زاوية بنطيوس.

ومن الواضح أن الأخضري قد أثر بعلمه أكثر مما أثر بتصوفه. فكتبه في العلوم التي أشرنا إليها كانت تدرس في المشرق والمغرب وتوضع عليها الشروح والحواشي. ولم نعرف عنه أنه ألف في التصوف غير (القدسية) وله أيضاء أرجوزة في طبيعة النفس (١). ولكن الأخضري لم يكن كالملياني أو الخروبي يؤلف في الأوراد والأذكار وغيرها من وسائل الدعاية للطرق الصوفية رغم أنه كان نظاما بارعا كما تدل كتبه التي سنتعرف عليها في مكانها من الجزء الثاني، بل هاجم البدع ومن سماهم علماء السوء ودعا إلى العمل بالكتاب والسنة. ويبدو أن عقله كان عقلا رياضيا أكثر منه عقلا صوفيا يميل إلى الغموض والروحانية (٢). وقد نسبت إليه قصيدة طويلة في نبوة (خالد بن سنان العبسي) (٣) ومطلعها:

سر يا خليلي إلى رسم شغفت به ... طوبى لزائر ذاك الرسم والطلل

جلت شواهده عزت دوائره ... ما خاب زائره في الصبح والأصل

ويقال إن الأخضري هو الذي أظهر نبوة خالد بن سنان فى المغرب


(١) كتب هذه الأرجوزة سنة ٩٤٤. وهي توجد ضمن مجموع رقم ٩٢٩ في مكتبة ميونيخ بألمانيا. وتوجد أيضا نسخة منها في المتحف البريطاني. ولعلها هي نفسها القعيدة (القدسة). فنحن لم نطلع عليها، وتبلغ ٣٥٧ بيتا.
(٢) فقد قال الأخضري عن عصره:
هذا زمان كثرت فيه البدع ... واضطربت عليه أمواج الخدع
وقد نسخ لنا الشيخ محمد الطاهر التليلي نسخة من (القدسية)، فله الشكر. كما أن الفكون قد ساق منها أبياتا في منشور الهداية.
(٣) بلدة سيدي خالد مسماة باسمه. وقصيدة الأخضري فيه ذكرها محمد بن عبد السلام الناصري في رحلته كما ذكرها أحمد بن داود في مخطوطه. وسنعود إليها في الجزء الثاني عند الحديث عن الشعر. ومن الذين جمعوا ما قيل في نبوة خالد بن سنان الشيخ بركات بن باديس في كتابه (مفتاح البشارة في فضائل الزيارة) الذي سنعرض له في الجزء الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>