بعضها من المشرق أثناء رحلاته، وكان يتردد على المكتبات المعروفة عندئذ مثل مكتبة رودوسي في الجزائر، والثميني والعسلي والأمين في تونس. وبالإضافة إلى ذلك هناك الدوريات التي كان الشيخ يجتهد في اقتنائها والاشتراك فيها، هذه المكتبة الغنية كان مصيرها مصير الزاوية، فقد نهبت وأتلفت ولم ينقذ منها إلا النادر، فغضب الاستعمار على صاحب الزاوية يطال الزاوية ومكتبتها أيضا (١).
ومن جهة أخرى نعرف أن الطريقة التجانية تدخلت بطريقة غير معلنة لإنقاذ حياة الشاعر محمد العيد آل خليفة الذي ألقت عليه السلطات الفرنسية القبض، وكان على وشك تنفيذ القتل فيه، مع آخرين، وبفضل تدخلها تغير الموقف وفرض الفرنسيون على الشاعر الإقامة الجبرية في بسكرة طيلة عهد الثورة، ولكننا إلى الآن لا نملك دليلا قاطعا على تدخل الطريقة التجانية.
إذا سألت اليوم قادة الطرق الصوفية وأتباعها المتحمسين ورجال الزوايا عن موقف طريقتهم أو زاويتهم من الثورة فإنهم لا يترددون في وضع محورة براقة أمامك من التضحية والفداء والقيام بالأعمال السرية والعلنية لصالح الثورة والتعرض من أجل ذلك لأخطار لا تعد ولا تحصى، وهم في ذلك لا يختلفون كثيرا عن إخوانهم المنتمين إلى الأحزاب السياسية حماسة وولاء، وفي غمرة هذا السيل من (الأعمال) الباهرة ينسون علاقتهم السابقة واللاحقة بالسلطات الفرنسية عن رضى ومصلحة أو عن كره وتقية، وأمام ذلك لا يستطيع المؤرخ أن يصل إلى الحقيقة عن دور الطرق الصوفية والزوايا من الثورة، ومن ثمة نكتفي هنا بإيراد بعض الأقوال التي نشك منذ البداية في أصالتها إلا إذا دعمتها الوثائق (رسائل، بيانات، تصريحات، محاضر، مذكرات معاصرة للأحداث ...)، والواقع أن هذا المنهج يجب أن يطبق على كل الشخصيات والمؤسسات والتنظيمات التي كان وجودها يكتسي طابعا عاما وله صلة بالجماهير من جهة
(١) محمد الصالح الصديق، البصائر ٢٤ - ٣١ أكتوبر، ٢٠٠٥.