الترغيب والترهيب، إن القاضي كان يعين من قبل المسؤول السياسي ويخضع له، وكان يقوم بعدة وظائف كالتوثيق والتعليم والتفتيش وإصلاح ذات البين والإمامة والإفتاء والتوعية وجمع الزكاة ... وفي التطبيق لم يكن هناك مصطلح واحد معتمد، فهناك مصطلح لجنة العدل في بعض الولايات، ولجنة العدالة، واللجنة الشرعية، والمجلس الخماسي ... فكل ولاية كانت تتصرف حسب إمكاناتها واجتهاداتها في هذا الميدان، بل وحسب العرف والقضية المطروحة، ولكن ما يميز القضاء هو السرعة في تنفيذ الأحكام خلافا للقضاء الاستعماري الذي كان يترك القضية تنام سنوات طويلة في أدراج المحاكم، وقد رجع القبائل إلى حكم الشريعة بدل العرف، كما منع الحبس لأن الشريعة لا تلجأ إليه لعرمانه رب العائلة من أداء مهمته.
كان القضاء في البداية في شكل تعليمات وأوامر تصدر عن جيش التحرير ولكن مؤتمر الصومام هو الذي أسس قواعد للقضاء وأعطاه بعدا وطنيا شاملا، بينما يرى البعض أن سنة ١٩٥٨ (بداية الحكومة الؤقتة) هي سنة تأسيس القضاء. وكان القاضي يعين من بين المتخرجين من جامعي الزيتونة والقرويين ومن معهد ابن باديس وبعض الزوايا (والقاضي هو الذي يشرف على الأحوال الشخصية أيضا)، ومما يذكر أنه كان يوجد أكثر من ١٥٠ متخرجا من كلية الحقوق، ومع ذلك لم يول أي منهم على القضاء، ومما يذكر أن الولاية الأولى هي التي بدأت تتعامل بالقضاء سنة ١٩٥٨ حسب (تعليمة)، وكانت تقيم المجالس القضائية ذات الخمسة أعضاء: فمجلس القسمة من خمسة، ومجلس المنطقة من خمسة، ومجلس الناحية من خمسة، ومجلس الولاية من خمسة، والخامس هو دائما القاضي نفسه، وهو رجل مدني، وكانت العقوبات تتمثل في الغرامات المالية، والتعزير وحتى الجلد، وليس هناك طعن في الأحكام، ومن الناحية الإحصائية فقد ذكر أن حوالي ٣٠٠ شخص حكم عليهم بالقتل، وقد ذكر الباحثون أن بعض التجاوزات في الأحكام قد وقعت (١).
(١) الصادق مزهود، مداخلة ملتقى قسنطينة، مرجع سابق، ويبدو أن عدد ١٥٠ من خريجي كلية الحقوق عدد مبالغ فيه إذا كان المقصود هم خريجو كلية حقوق الجزائر فقط.