أسس، حوالي سنة ١٢٠٠، زاوية قادرية بالقيطنة، الواقعة على وادي الحمام قرب مدينة معسكر. وكان الحاج مصطفى من علماء الوقت وصلحائه وكان يتردد على الحرمين حتى بلغت حجاته أربع حجات. وفي إحداها توجه إلى بغداد ثم رجع وهو عاقد العزم على بناء زاوية تكون مركزا للتعليم ومبعثا للطريقة القادرية، فكان ما أراد. غير أنه أثناء عودته من الحجة الرابعة توفي في عين غزالة قرب درنة بليبيا، وقد تولى أمر الزاوية من بعده ولده محيي الدين الذي كان من شيوخ العلم المشهود لهم. وهو الذي تولى أيضا تعليم ولده عبد القادر، بطل المقاومة الجزائرية ضد الفرنسيين. وأصبح الشيخ محيي الدين يلقن أوراد الطريقة القادرية للمريدين وينشر العلم من الزاوية التي كانت عبارة عن معهد كما سبق أن أشرنا في فصل التعليم. وبالإضافة إلى نشر العلم وتلقين الورد كانت الزاوية محطة للزائرين والغرباء والفقراء. وقد قيل إن الناس كانوا يتنافسون في النفقة عليها. وبعد وفاة الشيخ محيي الدين سنة ١٢٥٠ تولى ولده محمد السعيد أمر الزاوية، أما ولده عبد القادر فقد تولى أمر المقاومة التي أخذت عليه كل الوقت وأصبح رمزا لجمع الكلمة وتوحيد الشعب تحت راية الوطنية (١).
وكانت العلاقة ودية بين الزاوية القادرية والعثمانيين في أول الأمر. فنحن نعلم أن أحد بايات وهران قد أسهم في بناء مسجدها، ولعله قد أسهم أيضا في أوقافها، ولكن نقمتهم العامة على زعماء الطرق الصوفية قد شملت أيضا زعيم الطريقة القادرية. فقد احتجز الباي حسن، الشيخ محيي الدين أثناء ذهابه إلى الحج ومنعه من ذلك خوفا من نشاطه بعد أن أصبحت الزاوية على درجة كبيرة من الأهمية وبعد أن أصبح الناس يتجمعون بكثرة في الطريق، كما جرت العادة، لتوديع ركب الحج الذي كان محيي الدين على رأسه، ورغم أن الباي قد سمح للشيخ بالحج في موسم آخر فإن ذلك الموقف منه كانت له عواقب هامة. ذلك أن الباي قد أسرع بتسليم وهران إلى
(١) انظر مخطوط تاريخ الأمير عبد القادر بالمكتبة الوطنية - الجزائر. وكذلك (حياة الأمير عبد القادر) الذي ترجمناه عن تشرشل، الدار التونسية للنشر، تونس ١٩٧٤.