للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسنطينة لتحالفها منذ البداية مع العثمانيين. ورغم أن جده كان يجمع بين العلم والتصوف فإنه قد تعامل مع السلطات العثمانية فذهب على رأس وفد قسنطينة إلى العاصمة، ولكن حصل ما أوجب فراره مع زميله الشيخ عبد اللطيف المسبح إلى زواوة ثم أعيد إلى العاصمة وسجن، ثم رضيت عليه الدولة وأعادته إلى قسنطينة مكرما (١). وأصبحت أسرة الفكون منذئذ في خدمة الدين والدولة، فيها مشيخة الإسلام وإمارة الحج، وكان لها امتيازات اقتصادية ومعنوية لا حصر لها. فقد كانت من أغنى الأسر في قسطينة تملك العقارات والأراضي وتعيش عيشة راضية هنية. وكانت لها زاوية خاصة تطعم منها الفقراء وتنشر العلم وتستقبل الضيوف من الجزائر وخارجها، وتبث منها آثارها وتأثيرها.

وبعد وفاة عبد الكريم الفكون الجد تولى ابنه محمد (والد المترجم له) جميع وظائف والده من إمامة وخطابة بالجامع الكبير في قسنطينة. وكان محمد الفكون، كما يقول عنه ابنه، فقيها ومتصوفا أيضا، يقوم الليل ويدرس العلم. ولم نعرف أن العثمانيين الذين جددوا له ما كان لوالده من وظائف دينية قد منحوه لقب شيخ الإسلام. فقد توفي محمد الفكون أثناء عودته من الحج في مكان بين الحجاز ومصر سنة ١٠٤٥. ولكن عائلة الفكون قد بلغت مجدها الديني والدنيوي في عهد عبد الكريم الفكون الحفيد. فقد تولى وظائف والده مباشرة بعد وفاته كما أسندت إليه إمارة ركب الحج. ذلك أن الوثائق تتحدث عن تجديد تسميته أميرا لركب الحج سنة ١٠٤٨ من قبل علي باشا. ومما جاء في إحدى الوثائق أنه (الشيخ العالم القدوة التقي .. الناسك الأبر النحرير المؤلف .. البليغ سيدي عبد الكريم الفكون) وأنه قد أذن له بضرب الطبل والاتجاه بالمسلمين كما كان ويكون رقاس الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأن أحدا لا يمانعه ولا يعارضه ولا يدافعه لأنه أحق بإمارة ركب الحج، وهو جدير بالقيام بها حق القيام. وقد أرسلت هذه الوثيقة (وهي أمر من الباشا)


(١) ترجم له حفيده في (منشور الهداية)، وهو الذي ذكر الحادثة السابقة وأبرز الجوانب الصوفية والعلمية لجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>