وكان مختصر ابن أبي جمرة لصحيح البخاري متداولا أيضا بين الجزائريين. وقد شعر عبد الرحمن بن عبد القادر المجاجي أن هذا المختصر في حاجة إلى شرح يضبط ألفاظه ويقرب معانيه فقام بعمل ضخم بهذا الصدد، وسمى شرحه (فتح الباري في ضبط ألفاظ الأحاديث التي اختصرها العارف بالله (ابن أبي جمرة) من صحيح البخاري). وكان المجاجي قد درس أولا في موطنه مجاجة وفي تلمسان ثم في فاس على عدة شيوخ. وكان دافعه إلى القيام بهذا العمل الغيرة على قراءة الحديث حتى لا تقع فيه الأخطاء أثناء القراءة، وكون شيخه، محمد بن علي أبهلول، كثيرا ما فكر في كتابة عمل من هذا النوع، ولكن الأقدار لم تسعفه. لذلك قام هو بالمهمة. وقد بدأ المجاجي بتعريف علم الحديث، فقال:(علم الحديث من أجل العلوم قدرا، وأعلاها منزلة وخطرا، وكان الناس مقبلين على قراءة جامع البخاري عموما وعلى ما اختصر منه الشيخ العارف بالله ابن أبي جمرة .. خصوصا .. وكانت قراءة الحديث تحتاج إلى شروط جمة، وتلزمها آداب مهمة، أعظمها الاحتراز من الخطأ في إعرابه، ومن اللحن في مضبوط ألفاظه، فتحرك مني الغرام الساكن لضبط تلك الأماكن ..) وفي المقدمة التي وضعها المجاجي لشرحه بابان الأول في التعريف بالمصنف (البخاري) والثاني في علم الحديث على الجملة، وجعل كل باب يحتوي على فصول، كآداب معرفة الحديث، وكيفية روايته، وكيفية كتب الحديث وضبطه، وبعض ألقاب الحديث الخ. أما الكتاب جملة فقد قسمه إلى كتب، فهناك كتاب للبيع، وآخر للشركة، وثالث للصوم، ورابع للهبة الخ. وقد وضع بعض المصطلحات في المنقول عنهم: فحرف الحاء (ح) يشير إلى القاضي عياض، وهكذا. كما أنه نقل كثيرا عن أستاذه محمد بن علي أبهلول (١).
(١) الخزانة العامة بالرباط، رقم ك ١٧٧٥ في حوالي ٣٠٠ ورقة وبخط جيد، وهناك نسخة أخرى برقم ك ١٠٦٥ غير جيدة وغير كاملة ويبلغ الموجود منها ٤١٦ صفحة. ومنه نسخة أيضا في المكتبة الملكية بالرباط رقم ٥٧١٤ (١). ومن الملاحظ أن أبا راس قد أوضح أن عبد الرحمن المجاجي كان تلميذا لابني علي أبهلول، وهما =