للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن بضعف العناية بالإجازة أصبح التلميذ لا يقطع المسافات لحضور درس أستاذه ولا يتحمل عناء السفر والغربة، وأصبح المشائخ يمنحون الإجازة لتلاميذهم عن طريق السماع بهم، وبدل أن تكون الإجازة خاصة مقيدة بالجزء المقروء أو المسموع أصبحت عامة مطلقة في كل المرويات والمقروءات. وأحيانا نجد بعض المجيزين يجيزون غيرهم بكل ما كانوا قد أجيزوا به. ومن الملاحظ أيضا أن الإجازة التي كانت خاصة بالعلم قد انتقلت أيضا إلى الطرق الصوفية. فقد وجدنا شيوخا يجيزون تلاميذهم بالسبحة والضيافة والخرقة الصوفية ونحو ذلك من مظاهر الدخول في حضرة الشيخ والتتلمذ عليه في الطريقة التي يسلكها. ولكن الذي يعنينا في هذا الفصل هو الإجازة العلمية وليس الإجازة الصوفية.

وهناك ثلاثة أصناف من الإجازة: إجازة الجزائريين للجزائريين، وإجازة الجزائريين لغيرهم، وإجازة علماء المسلمين لعلماء الجزائر. ومن الطبيعي أننا لن نحصي، في أي صنف من هذه الأصناف، عدد الإجازات، لأن ذلك يكاد يكون مستحيلا، ولكن الهدف هو سوق نماذج من كل صنف للتعرف على اهتمام الجزائريين بعلم الحديث خصوصا وطلب العلم عموما. فالإجازة، مهما انتقدنا التساهل في منحها، كانت عنوانا على كسب نصيب من العلم بالنسبة للمستجيز وعلامة على التبحر والتخصص في نفس العلم بالنسبة لمانحها. ولما كان الجزائريون كثيرا ما خرجوا من بلادهم لطلب العلم في البلدان الإسلامية فمن الواضح أنهم كانوا من طلاب الإجازة في الغالب وليس من مانحيها. ومع ذلك فلو أحصينا عدد الجزائريين الذين منحوا الإجازات في المشرق والمغرب لاندهشنا لكثرتهم.

ومن الغريب أن العلماء الجزائريين لم يجيزوا بعضهم البعض إلا قليلا. من ذلك إجازة محمد الزجاي لأحمد بن محمد الشريف المعروف بابن سحنون مؤلف (الثغر الجماني). فقد ذكر هو في هذا الكتاب نص الإجازة مخافة ضياعها، كما قال. وبناء عليه فإن ابن سحنون قد لازم الزجاي ومجلسه العلمي عدة أيام وليال. فقد قرأ عليه صحيح البخاري وكبرى

<<  <  ج: ص:  >  >>