للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا حكمنا من ضخامة العمل على هوية صاحبه فإننا نصل إلى أن ابن القنفذ كان فقيها أكثر منه مؤرخا. وقد عرفنا أيضا أنه تولى القضاء فترة طويلة. وله كذلك مؤلفات أخرى في الفقه وفروعه. غير أن جهود ابن القنفذ في ميدان العلوم العملية تجعله أيضا من كبار العلماء العقليين في القرنين الثامن والتاسع. وتذكرنا طاقة ابن القنفذ العملية بطاقة أبي رأس المعسكري في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة. فكلاهما كان موسوعيا في عصره. ولعل (الحس التاريخي) كان أقوى لدى الأخير منه لدى الأول.

٣ - وهناك عالمان آخران عرفا بالاهتمام بالتاريخ رغم شهرتهما في علوم أخرى. وقد ترك كل منهما عملا يشهد له بالمهارة في فرع التراجم خاصة، وهما ابن مزني البسكري وابن مرزوق الحفيد.

فأبو زيان ناصر بن مزني البسكري الذي يعود إلى أسرة عريقة حكمت منطقة الزاب مدة (إمارة بني مزني التي قضى عليها الحفصيون) كان قد شرع في وضع موسوعة تاريخية كبيرة تتضمن الأحداث وأخبار الرواة وما يتصل بذلك، ولكن فقدان بصره عاقه عن تبييضها وإكمالها. ويقول عنه ابن حجر إنه كان (لهجا بالتاريخ وأخبار الرواة، جماعة لذلك، ضابطا له، مكثرا منه جدا وأراد تبييض كتاب واسع في ذلك فأعجلته المنية) (١). ويبدو أن ابن مزني كان سيؤلف كتابا على غرار تاريخ ابن خلدون الذي كان صديقا لآبائه (أمراء بني مزني) والذي كان قد ساعده على استقراره بالقاهرة بعد أن قضى الحفصيون على إمارتهم ونكب ابن مزني في ماله وثروته. وقد خسرت الجزائر بانتقال ابن مزني إلى المشرق عالما كبيرا كان من الممكن أن يكون في مستوى أستاذه وصديقيه ابن خلدون وابن حجر. ومن الأسف أننا لا ندري الآن كم جزءا قد انتهى منه تسويدا ولا مانع المادة التي قد جمعها لكتابه ولا الطريقة التي سلكها فيه. والكتاب في حكم الضائع.


(١) ابن حجر (إنباء الغمر) ٣/ ٢٣٥، وقد توفي ابن مزني بالقاهرة سنة ٨٢٤ بعد أن عاش فيها عشرين سنة ولما يبلغ الكهولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>