للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على نور الدين إبراهيم بن حسن الكوراني وحكم عليه فيها بالزندقة بل بالكفر، وطالب بقتله. واسم هذه الرسالة يدل على أن الشاوي كان لا يتورع عن الدخول في المهاترات والخوض في المناظرات إلى أقصى الحدود، إذ هو (النبل الرقيق في حلقوم الساب الزنديق). والمهاترات بين العلماء ليست غريبة في حد ذاتها ولكن اتهام الشاوي للكوراني بالزندقة والكفر والمطالبة بقتله لأجلها هو محل الغرابة. ولا نعتقد أن ذلك كان لضيق أفق الشاوي وإنما لحدة مزاجه. والغريب أيضا أن محمد بن رسول البرزنجي قد انتصر للكوراني وكتب رسالة لاذعة في نقد الشاوي يدل عنوانها فقط على هبوط المستوى العلمي عند الجميع، فهو (العقاب الهاوي على الثعلب العاوي، والنشاب الكاوي للأعشى الغاوي، والشهاب الشاوي للأحول الشاوي) (١).

ورغم تقرب الشاوي من السلطة فإننا لم نجده قد استخدم علمه للمدح ونحو ذلك. فقد نال حظوة لدى ولاة مصر وعلمائها ولا سيما بعد رجعته الأولى من إسطانبول، فهم الذين مكنوه من التدريس في المدارس المذكورة، وشملوه برعايتهم. وكذلك كان الحال عند عودته إلى مصر ثانية من إسطانبول أيضا فقد تفرغ هذه المرة للتأليف، وبذلك يكون قد دخل مصر وأقام بها ثلاث مرات على الأقل، الأولى بعد الانتهاء من الحج والثانية والثالثة بعد زيارتين لإسطانبول. أما إسطانبول فقد توجه إليها مرتين وفي كلتيهما كان يحظى بالتقدير والتبجيل. ففي الأولى أكرمه شيخ الإسلام يحيى المنقاري والوزير الأول (الصدر الأعظم)، وحضر درس مجلس السلطان كما عرفنا، بالإضافة إلى إكرام كبار الدولة والأعيان له. وفي الثانية أنزله مصطفى باشا، مصاحب السلطان، في داره معززا مكرما.

لماذا كل هذه الحظوة والتقدير؟ ذلك ما لا تكشف عنه الوثائق. فالمترجمون للشاوي لا يتحدثون عن ذلك، وإنما يوحي كلامهم أن ذلك يدل


(١) لدينا صورة من (العقاب الهاوي) وضمنها فقرات مسوقة من (النبل الرقيق) للشاوي. حصلنا على هذه الصورة من مكتبة جامعة برنستون الأمريكية، وهي برقم ٩٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>