الأمير وبرهن على شرف أسلافه وأبرز مدى مساهمتهم في الحضارة ونفوذ دولتهم، مبتدئا بتاريخ إنشائها ومنتهيا بالأمير الممدوح. ولكن إذا كان هذا هو هدف التنسي، فلماذا ضخم كتابه بأقسام وأبواب هي أبعد ما تكون عن بني زيان؟ ولماذا جعل عنوان كتابه (في شرف بني زيان) بينما لا يشغل الباب الذي خصصه لهذا الغرض إلا جزءا ضئيلا من مجموع الكتاب؟ إننا لا نجد تفسيرا لذلك سوى ميول التنسي الأدبية وكونه أراد أن يقدم للأمير كتابا موسوعيا، على عادتهم عندئذ، يجمع شيئا من كل شيء على غرار ما فعل
بعض القدماء مع ممدوحيهم وأولياء نعمتهم.
ولعل من المناسب أن نذكر أن القرن التاسع قد افتتحه ابن القنفذ بكتابه (الفارسية) وختمه التنسي بكتابه (نظم الدر) فكان الأول في شرق الجزائر وأهدى كتابه إلى أبي فارس الحفصي، والثاني في غربها وأهدى كتابه إلى محمد المتوكل الزياني. فكان ابن القنفذ مؤرخ الدولة الحفصية وكان التنسي مؤرخ الدولة الزيانية، وكلا الدولتين لم تكن في أوج قوة ولم يكن أميرهاأقوى سلطان ولا حكمه أعدل حكم ولا عهده أزهى عهد، ولكن المؤرخين (ابن القنفذ والتنسي) كانا كالشعراء يمدحان للمصلحة الشخصية، فكان دافعهما العاطفة وليس العقل، ولوا كانا صاحبي حكمة وتبصر لاستنكرا أعمال الحكام ولقاوما فساد المجتمع ولنبها إلى الهاوية التي كانت تنحدر إليها الدولتان (١).
٦ - ومن تلاميذ التنسي المنتجين في موضوع التراجم محمد بن أحمد المعروف بابن صعد صاحب كتاب (النجم الثاقب فيما لأولياء الله من مفاخر المناقب). وقد توفي ابن صعد بمصر سنة ٩٠١ أي بعد أستاذه بحوالي ثلاث سنوات. ويبدو أن ابن صعد كان من أهل الشريعة والحقيقة ومتأثرا بتيار العصر الجارف نحو التصوف والزهد والانعزال والعقيدة في الأولياء والمشيخة. فقد اطلعنا له، بالإضافة إلى كتابه المذكور، على قصيدة في مدح
(١) يمكن أن نعتبر (نظم الدر) للتنسي تكميلا (لزهر البستان) الذي سبقت الإشارة إليه.