للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدراسة، ولكن صيغة بعض الإجازات رغم موضوعها وثبوتها على شكل واحد تقريبا، كانت أقرب إلى الأسلوب الأدبي، لأن أصحابها كانوا من الأدباء المهرة فيضفون عليها طابعهم وذوقهم، وبذلك تصبح الإجازة أيضا قطعة أدبية من حيث الأسلوب على الأقل. ولدينا شواهد على ذلك أيضا.

وبالإضافة إلى ذلك كان الكتاب يفتنون في كتابة العقود، لا سيما عقود الزواج، ويظهرون براعتهم اللغوية والأسلوبية حتى أصبح العقد النموذجي يقلد في المناسبات المشابهة، وكان بعض القضاة أدباء بطبعهم يحذقون اللغة ويتذوقون الأسلوب الأدبي، فكانوا يمزجون ثقافتهم الفقهية والقانونية بثقافتهم الأدبية واللغوية، وبذلك أعطونا نماذج من العقود التي غلب عليها الطابع

لأدبي.

وفي أغلب الأحيان كان المقرظ يمزج في تقريظه بين النثر والشعر، ويحفل العهد العثمانى بعدد من هذه التقاريظ، ونود أن نذكر منها تقريظ أحمد بن عمار لكتاب (الدرر على المختصر) الذي وضعه ابن حمادوش في المنطق (١)، وكان ابن عمار، كما سنعرف، من أقطاب الصنعة الأدبي نثرا وشعرا، وكان غالبا ما يسجع ويكثر من المحسنات البديعية. ومما جاء في تقريظه للكتاب المذكور نثرا قوله: (ناهيك به مؤلفا جموعا، مبذولا خيره لا ممنوعا، قد أحكم فيه الرصف والالتئام، واستخدم لطائف المعاني في بديع الكلام، حتى أفض عن (المختصر) الختام، وكشف عن وجوه خرائده اللثام، ووضع كنوز فرائده على طرف الثمام، فأصبح به إذ ذاك في أعلا الذرى، وطلع في سماء المعالي والمكارم بدرا، هذا ولا عيب فيه غير أنه كتاب صغر جرما، وغزر علما، قد أودع فيه من لطائف المعاني العجيبة الرائقة، والألفاظ البديعة الفائقة، ما هز به أعطاف الآداب، واستمال قلوب أولي الألباب). وقد ختم ابن عمار تقريظه بستة أبيات من الشعر على هذا النحو:


(١) انظر رحلة ابن حمادوش، طبع الجزائر، ١٩٨٣، والتقريظ في حوالي أربع صفحات.

<<  <  ج: ص:  >  >>