للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدينا نموذج من إجازته لمحمد خليل المرادي الشامي، وهي رغم قصرها جيدة النسج قوية العبارة ومسجعة في أغلبها، ومما جاء فيها قول ابن عمار بعد التحميد والصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) (فقد روينا بتوفيق الله ويمنه، وإعانته وعونه، عدة وافرة، مخدراتها سافرة، من كتب العلوم الشرعية، والفنون المرعية، من منقول ومعقول، وفروع وأصول، ورقائق وآداب، وسائر ما يجذب بتلك الأهداب، عن مشائخ جلة، يروق بهم الدهر وتزدهي بهم الملة، من أهل الغرب والشرق، وجهابذة الجمع والفرق، فمن أهل الحرم المكي، من سطع عبير ذكره سطوع الأرج المسكي، خاتمة المسندين، وأول القداة المرشدين .. هذا وقد أجزت السيد المستجيز المجاز، ورجل الحقيقة لا المجاز، مفتي الشام، والغيث الذي تستمطر بروقه وتشام، السيد محمد خليل المذكور أعلاه، دام فضله وعلاه) (١) الخ.

ونود أن نسوف نموذجا ثانيا من الإجازات الأدبية، ونعني بذلك إجازة عمر المانجلاتي إلى ابن زاكور المغربي، وهي بالطبع أقدم زمنا من إجازة ابن عمار، وكان المانجلاتي من الفقهاء الأدباء، فقد درس علي سعيد قدورة وعلي بن عبد الواحد الأنصاري، وبدأ الإجازة بالسجع ثم استرسل، فكأن السجع، مثل الشعر، يقصده الكتاب للتعبير عن خلجات أنفسهم، فإذا تناولوا الحقائق المجردة عمدوا إلى النثر المرسل. وهذا نمودج من الجزء المسجع من الإجازة (وبعد، فقد اجتمعت بالشاب الأديب، الأريب الحاذق اللبيب، السيد محمد بن قاسم بن زاكور، فرأيت من حرصه واعتنائه واشتغاله بما يعنيه ما أعجبني، وفيه قابلية لما يلقى إليه مع ذهن ثاقب، وفهم صائب، ومشاركة في فنون من العلوم .. فطلب مني أن أجيزه فامتنعت لأني في نفسي لست من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان ذلك الميدان، فألح علي المرة بعد المرة لظنه الجميل، أني من هذا القبيل، فأسعفت طلبته حرصا على جبر خاطره، خشية من كسر قلبه، لأن كسر القلوب في كسر القلوب وجبرها في


(١) إجازة ابن عمار للمرادي نسخة خاصة مصورة في صفحة كبيرة، كتبت سنة ١٢٠٥ بخط ابن عمار، نشرنا هذه الإجازة في مجلة (الثقافة) الجزائرية عدد ٤٥، ١٩٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>