للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدسة وكثيرا ما نظم الشعر والموشحات في ذلك، وحين حانت الفرصة للحج اغتنمها، وبدأ تأليفه بمقدمة (تناول فيها ما جادت به قريحته قبل التوجه للحج)، و (غرض مقصود) تناول فيه (ما يحدثه السفر إلى الإياب وحط الرحال)، وبمعنى آخر أن هذا هو أساس الرحلة، ثم (خاتمة) خصصها للحديث عما (نشأ عن ذلك بعد السكون وانضم إليه) (١).

ولكن الموجود من الرحلة حتى الآن هو نبذة من المقدمة فقط، ومع ذلك فقد بلغت صفحاتها عند طبعها ٢٥٤ صفحة، وهذه النبذة ليست كاملة أيضا لأن ناسخها الذي يبدو أنه أحد تلاميذ ابن عمار، كان يترك بياضات في الوسط كما أنها غير منتهية نهاية منطقية، فالحديث في نهايتها مبتور، ومعنى ذلك أن ما لدينا من الرحلة لا يشكل حتى مقدمتها، وكان ابن عمار عند وعده فيما كتب، فقد بدأ بذكر دواعي تأليف الرحلة وتسميتها، وبيان ضرورة الحج شرعا مع استشهاد بالقرآن والأحاديث والأشعار، والتعبير عن شوقه إلى ساكن الحجاز وتأزمه الروحي، ولكنه استطرد كثيرا في ذلك بإيراد الأشعار له ولغيره، ثم بالغ في الاستطراد فذكر عادة أهل مدينة الجزائر في المولد النبوي وموقف الفقهاء من ذلك واحتفال ملوك بني زيان في تلمسان وملوك بني الأحمر بالأندلس في المولد أيضا، وأطال في ترجمة أحمد المانجلاتي، والشاعر ابن علي والشريف التلمساني وذكر الموشحات الطويلة له ولهم ولغيرهم في المولد أيضا، ثم جاء بأشعار من مختلف شعراء المشرق والمغرب في الأزهار والخمر روفي أغراض أخرى، وهو لا يسوق كل ذلك مرتبا كما ذكرناه، بل كان يذكر الشيء ثم يقطعه ويعود إليه، وهكذا. وهذه الطريقة، وإن كانت شائعة بل مطلوبة في عصر ابن عمار، فهي عندنا الآن ممقوتة لأنها تشتت الذهن وتوزع الجهد وتضيع الوقت، أما في وقته فقد كانت من علامات المهارة في التأليف، والهدف منها التخفيف على القارئ والترويح عنه، أو (استجلابا للأنس واستجلاء للهموم) كما يقول ابن عمار نفسه.


(١) انظر عن هذه الرحلة وغيرها (الرحلات الجزائرية الحجازية) في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، الجزائر، ١٩٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>