للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسلوك، وله موقع عند الخلفاء والملوك، ومدحه في السنة شهير، وبه محيت ذنوب كعب بن زهير). كما نسب أبو راس إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله: (الشعر ديوان العرب)، وهو لذلك قد كتبت فيه الدواوين، وشرحه أكابر العلماء ونوهوا به.

وإذا كان هذا تبريرا من أبي راس لتناوله الشعر بالشرح، ولا سيما شرح قصيدة ملحونة مثل (العقيقة)، فإن قضية الشعر والدين كانت أوسع من ذلك. ففي عصر ساد فيه التصوف لا نستغرب أن يقف المتصوفة ومن يتصل بهم ضد الشعر المعروف في أغراضه التقليدية، ما عدا الشعر الديني. حقا ان أبا راس قد مدح الشعر عموما، ثم قال إن فضل الشعر يزيد عندما يكون في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كما فعل المنداسي. والمعروف أن المنداسي قد نظم في أغراض أخرى غير دينية. ولكن هذا ليس هو رأي عالم متصوف مثل الورتلاني. فقد حكم الورتلاني بمنع الأشعار (التي فيها ذكر الخدود والقدود وتسمية المحبوبة من النساء المرغوب فيها الفساد) أما شعر الوعظ والذكر ومدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقد حكم بندبه (١). بل إن الورتلاني قد جوز كسر الأوزان الشعرية واعتبر أن الإصرار على استقامتها هو مذهب المتأخرين. ولا شك أن هذا الرأي يتماشى مع قدرته هو الشعرية، فإن قصائده كانت في أغلبها مكسورة ومختلة، وقال عن قصيدة للولي الصالح سيدي الهادي إنها (وإن خصها بعض الأوزان الشعرية فإن مذهب المتقدمين لا يشترطون ذلك (أي إقامة الوزن) وإنما هو مذهب المتأخرين، على أنه إن استقامت حالة الإنسان، وكانت همته عالية متعلقة بالله تعالى لا يضره مخالفة القوانين الأدبية ولا غلبة العجمة ولا قلة العلم) (٢) فالمهم عند الورتلاني إذن هو التصوف وليس الفن، هو الصلاح والاستقامة الخلقية وليس الشعر واستقامة أوزانه. وما دام هذا رأي عالم فقيه وصوفي كالورتلاني، فإننا لا نستغرب أن نجد كثيرا من الأشعار المنسوبة إلى علماء مشاهير مختلة الأوزان أيضا ومرتبكة،


(١) الورتلاني، ١٩٦.
(٢) نفس المصدر، ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>