للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتكبه الإسبان ضد المسلمين من فظائع.

وبذلك كان القسم الأول من (نفح الطيب) في منتهى الأهمية بالنسبة لدارس تاريخ الأنداس، فهو، كما قلنا، موسوعة ثرية في هذا الباب. ومن ثمة اهتم به العرب والأجانب الذين تهمهم حياة الأندلس. وكان (نفح الطيب) معروفا قبل عصر الطباعة في العالم الإسلامي يتناسخه الناسخون ويتبادله العلماء، ومنذ ظهرت الطباعة طبع الكتاب كما ترجم القسم الذي نتناوله إلى عدة لغات أوروبية، أما ترجمة ابن الخطيب فلا تهمنا هنا، وسنشير إليها في الحديث عن التراجم، والمعروف أن المقري قد ألف (نفح الطيب) في المشرق بإلحاح من أهل الشام الذين كانوا يتطلعون أكثر من غيرهم إلى معرفة أخبار الأندلس التي تربطهم بأهلها روابط عديدة، ولكن عمل المقري هذا لا يخلو من نقد. فقد قيل عنه انه محشو بالاستطرادات وتكرار المعلومات ومثقل بالسجع، مع ضعف في بعض النواحي الإخبارية، ومع ذلك فالكتاب كان وسيظل مرجعا أساسيا في تاريخ الأندلس كما كان تاريخ ابن خلدون مرجعا أساسيا في تاريخ المغرب العربي.

وكان المقري في الواقع قد بدأ يؤلف عن الأندلس وأهلها منذ كان في تلمسان وفاس، ففي هذا التاريخ ألف (أزهار الرياض) الذي ملأه أيضا بأخبار الأندلس وأهلها رغم أنه في ترجمة القاضي عياض. لذلك تكررت حوادث الكتابين عند المقري فكان (نفح الطيب) هو النسخة المنقحة الأخيرة في هذا الباب لأنه ألفه بين سنوات ١٠٣٧ و ١٠٣٩، وقد صدق هو حيث قال في نهاية (نفح الطيب) (اعلم أن هذا الكتاب معين لصاحب الشعر، ولمن يعاني الإنشاء والنثر من البيان والسحر، وفيه من المواعظ والاعتبار، ما لم ينكره المنصف عند الاختبار، وكفاه أنه لم ير مثله في فنه فيما علمت، ولا أقوله تزكية له) (١).

والملاحظ هنا أن المقري قد ركز على أهمية كتابه الأدبي أكثر من أهميته التاريخية.


(١) (نفح الطيب) ١٠/ ٣٦٣. انظر ترجمتنا للمقري في فصل اللغة والنثر من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>