والسذاجة) كما يقول نور الدين؟ ويبدو ذلك بعيدا الآن، اللهم إلا إذا قلنا ان ابن المفتي لم يكن من صنف المثقفين أصلا.
وقد أخبر ابن المفتي في البداية بأن علم التاريخ عبادة ومنة جزيلة، وأن معرفة أخبار العلماء منقبة جليلة. ومن رأيه أن الجزائريين لم يهتموا بعلم التاريخ وأخبار العلماء، وأن ما كتبه الكتاب في ذلك غير مدروس ولا معروف. وهذه حقيقة، لأن أبا راس والورتلاني وغيرهما قد ذهبوا نفس المذهب، وعلى هذا الأساس أراد ابن المفتي أن يملأ هذا الفراغ، فكتب عن الحياة السياسية في قسم الباشوات، وتحدث عن مدينة الجزائر وسكانها ونظامها السياسي ووسائل عيش السكان، والكوارث الطبيعية التي أصابتها وعلاقة سكانها بالأتراك والإسبان، ونظام الأمناء والمؤسسات الدينية، وأما الباشوات فقد ذكر منهم ٥٤ باشا من إسحاق سنة ٩٢١ هـ إلى إبراهيم خوجة سنة ١١٥٨ (١)، ولم يذكر الباشا إلا مرة واحدة رغم أن بعضهم قد حكم عدة مرات، ووصف ما وقع في عهد كل واحد من ثورات داخلية وحروب خارجية وقضية الكراغلة التي أفاض فيها (وهو منهم)، وما قام به كل منهم من أعمال خيرية واجتماعية، وعلاقة الباشوات بالسلطان، وتقاليد التولية والعزل والصراع الذي يصحب ذلك، وذكر أن السكان كانوا ضحية شره الولاة وأن هؤلاء كانوا أحيانا يفرضون ضرائب على العلماء والأعيان، ومدح حكم الحاج علي آغا الذي قال عنه ان الناس فيه قد اقتنوا كل ثمين وبنوا المنازل الفخمة وركبوا الخيول والبغال الفارهة وأنشأوا الحدائق الجميلة وتوفر عندهم الذهب والفضة وعم الرخاء، وكان رخاء الجزائر مضرب المثل حتى أصبحت تقارن بسورية، كما وصف ما أصاب الجزائر من أزمات اقتصادية نتيجة هجوم الأجانب والزلازل والطاعون.
أما في قسم العلماء والأعيان فقد أفاض في الحديث عنهم وعن
(١) الغريب أن القائمة التي أوردها عبد الرزاق بن حمادوش في رحلته لهؤلاء الباشوات الذين ذكر منهم ٦٩، تبدأ أيضا بإسحاق وتنتهي بإبراهيم سنة ١١٥٨، غير أن ابن حمادوش يذكر تاريخ ولاية إسحاق سنة ٩١٥، وليس ٩٢١.