كانت ثقافة أبي راس ثقافة عامة غير مركزة وثقافة محلية، وكانت تقوم على المجهود الشخصي أكثر من أي وسيلة أخرى، يعززها ذكاء حاد وذاكرة قوية وطموح بعيد المدى، وكان أبو راس معتدا بنفسه فخورا بما أنجز من تآليف وما جلب إليه من جمهور في الدرس وما يحفظه من الأسانيد والأخبار. فهو لا يراجع الدروس، ولا يبالي بقواعد النحو، وقد فاق جميع المؤلفين كثرة ما عدا السيوطي، وقد قيل في وصفه بأنه كان متوسط القامة، نحيف الجسم، أبيض البشرة، خفيف اللحية، صغير العينين، طويل الأنف نحيفه، كبير الرأس، ولعل كنيته (أبو راس) قد لصقت به لذلك.
تنقل أبو راس كثيرا بالنسبة لمعظم علماء عصره، ولعله كان يتردد على مدينة الجزائر التي سكن قربها وهو صغير، فقد وصف لنا علماءها في رحلته وتتلمذه على بعضهم، كأحمد بن عمار في تاريخ لم يحدده، ومهما كان الأمر فقد زارها بالتأكيد سنة ١٢١٤ لأنه سجل ذلك في رحلته، كما وجدنا نفس التاريخ على تقريظ ابن الأمين له عندئذ، والغالب أنه قد زار مدينة الجزائر أيضا وقسنطينة أثناء حجته الأولى، سنة ١٢٠٤ والثانية سنة ١٢٢٦، وكذلك زار تونس ومصر والحرمين وسورية وغزة والقدس، كما زار المغرب طالبا للعلم في تاريخ لا نعرفه ثم زاره سنة ١٢١٦، وخصوصا مدينة فاس وتطوان، وتناقش مع العلماء وحضر مجلس السلطان هناك، وقد ألف في تطوان بعض كتبه وأهداه إلى السلطان سليمان، ولعله قد رجع إلى المغرب أيضا بعد ثورة الطريقة الدرقاوية المشار إليها، وسواء كان في المغرب أو في تونس أو المشرق فإن أبا راس كان يجادل العلماء ويناقشهم ويدعوه الحكام ويناقشونه، وقد سجل ذلك في رحلته، فهو كما قلنا كان معتدا بنفسه، وكان على صلة وطيدة ببايات الغرب الجزائري ولا سيما محمد الكبير الذي خصه أبو راس بالقصائد والتأليف. وبنى له بعضهم قبة سماها (قبة المذاهب الأربعة) لأن أبا راس كان يفتي بها، كما أن بعضهم قد بنى له مكتبة وقدم له كرسيا يجلس عليه عند الدرس لكثرة المزدحمين عليه، بالإضافة إلى النقود والحاجات الأخرى الضرورية لمعاشه، ولذلك نجد أبا راس يشيد في كتبه