للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسنطيني، فهو أديب جم المعارف، وهو ذكي شديد الفطنة والحفظ، وهو رحالة دامت رحلته عشرين سنة، وهو مدرس بارع له تلاميذ ومعجبون، ومنهم تلميذه محمد الحجيج الأندلسي المتوفي سنة ١١٠٨، ومحمد بن سليمان مؤلف (كعبلا الطائفين) والعياشي صاحب الرحلة، ومحمد قويسم، وعبد العزيز الفراتي. وكان كريما يطعم من عنده حتى اشتهر ذلك عنه كما كان يرفض العطايا التي كانت ترد عليه، ووصفه من يعرفه بأنه كان حسن الحديث والمجالسة والخلق، ذلق اللسان، لا يتكلم إلا إذا أتى بشاهد من القرآن والحديث والشعر، واشتهر خاصة بعلم النحو والصرف، وأخبر عنه محمد بن سليمان أنه كان أيضا عالما بالفلك، ومع ذلك هاجر من بلاده مرتين: مرة حين قصد الرحلة لطلب العلم وغاب مدة طويلة، ومرة حين أصابته أذاية، فاختار تونس ثم الحجاز، ورغم هذه القدرة على الدرس والتأليف فإننا لا نعرف أن عاشور قد ترك رحلة مكتوبة، فهل كتب رحلته أو اكتفى بقصها شفويا على تلاميذه وغيرهم؟ ذلك ما لا نعلمه أيضا، فإذا كان قد كتبها فهي لم تصل إلينا، وإذا كان لم يكتبها فالغالب أنها قد أمليت على بعض التلاميذ الذين كانوا يعجبون بأخباره وغرائبه، ومهما كان الأمر فإن رحلة عاشور رحلة (مسموعة) وغير مقروءة حتى الآن، فهل يتمكن الباحثون من معرفة آثاره في مستقبل الأيام (١)؟.

ولكن الرحلة غير الحجازية المكتوبة هي رحلة عبد الرزاق بن حمادوش الذي عاش في القرن الثاني عشر، فهي رحلة قام بها المؤلف لطلب العلم والتجارة من مدينة الجزائر إلى تطوان ومكناس وفاس، ثم عاد إلى الجزائر من تطوان، وقد وصف ابن حمادوش الحياة العلمية وجوانب من الحياة السياسية والاقتصادية في المغرب الذي زاره مرتين على الأقل، مرة


(١) عاش محمد بن عبد الرحمن الأزهري (مؤسس الطريقة الرحمانية) حوالي ربع قرن في المشرق العربي والسودان خلال القرن ١٢ هـ (١٨ م). وقد ذكر شخصيا أنه عاش في دارفور ست سنوات يعلم سلطانها. ومع ذلك لا نعرف أنه ترك رحلة مكتوبة شبيهة برحلة معاصره الورتلاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>