للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الرحلات المصطلح عليها عادة هي الرحلات النثرية لا الشعرية:

ذلك أن الأولى هي التي يسجل فيها أصحابها انطباعاتهم عما شاهدوه وسمعوه ليس فقط في الحجاز ولكن في مختلف المدن والأقطار التي مروا بها من الجزائر إلى بغداد، مرورا بتونس وطرابلس ومصر والجزيرة العربية وسورية والقدس وهلم جرا. ولا ندري أن أحدا من الجزائريين قد سجل انطباعاته في كل هذه الأماكن، غير أن أقرب الرحلات في ذلك هي رحلة الورتلاني ورحلة أبي راس. وقد قلنا إن معظم هذه الرحلات من إنتاج القرن الثاني عشر (١٨ م). ذلك أننا لا نعلم أن أحد العلماء قد سجل رحلة حجازية نثرية خلال القرن العاشر أو الحادي عشر. وهذا مثلا عبد الكريم الفكون الذي ظل طول حياته تقريبا يقود ركب الحج من قسنطينة إلى الحرمين لا نعرف أنه كتب رحلة رغم أنه كتب في النحو والصرف والتراجم والشعر الديني وغيره.

وأول رحلة حجازية مذكورة في المصادر هي رحلة البوني المسماة (الروضة الشهية في الرحلة الحجازية). ومؤلفها هو أحمد بن قاسم بن محمد ساسي البوني الذي تحدثنا عنه في هذا الكتاب عدة مرات. فقد عاش البوني في المشرق، لا سيما مصر والحرمين، كما عاش طويلا في تونس. وقرأ على عدد من الأساتذة هنا وهناك وأجاز وأجيز. وقد ذكر الجبرتي أن البوني قد ورد مدينة رشيد وأجاز بها الشيخ حسن بن سلامة الطيبي المالكي المتوفى سنة ١١٧٦ (١). وذكر أحمد الزروق، نجل البوني، الذي أصبح بعد والده من العلماء البارزين في عنابة، أن والده قد تحدث عن شيوخه في رحلته الحجازية، وعددهم يزيد عن العشرين شيخا. وقد نصح أحمد الزروق القارئ بقراءة هذه الرحلة بقوله (فعليك به (أي التأليف) فإن فيه طرفا وظرفا) (٢). ولكن رحلة البوني تعتبر اليوم ضائعة، فلا ندري بالضبط ما كتب


(١) الجبرتي (عجائب الآثار) ١/ ٢٦٦.
(٢) مخطوط المكتبة الوطنية - الجزائر، رقم ٢١٦٠ من تعليق له على فتوى لوالده، انظر سابقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>