للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد الهواري الذي أسس زاوية بوهران وجعل يبت بدوره الطريق ومبادئ التصوف في وقت كانت فيه وهران مهددة بالغزو الإسباني وكانت تتلقى موجات متوالية من مهاجري الأندلس. والتازي هو الذي ألبس السنوسي الخرقة الصوفية وبصق له في فمه على عادتهم. وقد اشتهر السنوسي بغزارة العلم وكثرة الإنتاج فيه وبالتصوف، ولذلك نسبت إليه كرامات كثيرة من الذين ترجموا له فاقت الكرامات التي كانت تنسب إلى أستاذه الثعالبي. وهكذا اختلط السنوسي العالم المفكر بالسنوسي المتصوف الدرويش. ولكننا إذا تأملنا في قواه العقلية وفي تنوع إنتاجه أدركنا أن كثيرا مما نسب إليه من الخرافات كان من فعل المتأخرين الذين افتقروا إلى العلم وعجزت طاقتهم عن الإنتاج فيه فذهبوا يجرون وراء المحجبات ويلصقون بالسابقين بعض ما لم يقولوه أو يعتقدوه (١).

وإذا كان عبد الرحمن الثعالبي قد اشتهر بالتأليف في علوم الدين فإن تلميذه السنوسي قد اشتهر بكثرة الشروح وندرة التأليف الشخصي. لكن التلميذ فاق الأستاذ في كثرة الكتب وتنوع مواضيعها. فالسنوسي كاد لا يترك فرعا من فروع المعرفة إلا ووضع فيه شرحا لمتن أو تعليقا على منظومة أو نحو ذلك. وقد تنوعت موضرعاته فكتب في التوحيد والفقه، وفي الطب والحساب، وفي المنطق والجبر والمقابلة، وفي القراءات والفرائض، وفي الحديث والتفسير، وفي التصوف والأذكار، وهكذا. وبلغ حرصه على الشرح أنه شرح هو (عقائده) عدة مرات فكان هناك الشرح الكبير والوسط والصغير (٢) ولهذا شرح أصغر دعاه السنوسي (المقدمات) (٣).


(١) تنسب إلى السنوسي أيضا رسالة تسمى (المجربات) موضوعة في باب الطلاسم، مكتبة جامعة برنستون الأمريكية (قسم يهودا) منها ثلاث نسخ تحت أرقام وكلها مجاميع: ٢٣٩٤، ٢٩٦٤، ٣٤٩.
(٢) اصطلح اللاحقون على تسميتها (بالعقيدة الكبرى) و (العقيدة الوسطى) و (العقيدة الصغرى) وأحيانا يكتفون بالوصف فيقولون كبرى السنوسي ووسطاه وصغراه، وهكذا.
(٣) شاعت هذه (المقدمات) أو مختصر المختصرات في التوحيد وتداولها الناس. وقد =

<<  <  ج: ص:  >  >>