للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاحتفالات (١)، وروى الزهار أن النساء أيضا كن يعزفن الموسيقى أثناء حفلات الدنوش، بالإضافة إلى عازفين من الرجال، أتراك وجزائريين. وهذا بالطبع خارج نطاق الموسيقى العسكرية المعروفة بالنوبة، وأثناء ذلك كانت تعزف الألحان الجزائرية والتركية. كما كان البايات يجازون هؤلاء الموسيقيين والموسيقيات بالمكافآت السخية (٢).

وتثبت بعض الوثائق أن هناك عازفين كانوا يتنقلون من بلد إلى بلد حتى على المستوى الرسمي، وأن الحفلات الموسيقية الرسمية كانت تقام أيضا في الأقاليم إذا دعت المناسبة. وأن بعض هؤلاء العازفين قد بلغوا درجة من الشهرة والتقدير بين المعاصرين، حتى أصبحوا يلقبون (بالأساتذة). فقد روى المؤرخ المغربي أبو القاسم الزياني أنه عندما حل بقسنطينة دعاه الباي حسن هناك إلى حفلة سمر وموسيقى جاءه عازفوها من مدينة الجزائر، وقد وصف الزياني عندئذ قصر الباي بأنه كان مزينا بالفرش والتحف الفضية والذهبية والساعات والأثاث الفاخر والأواني. ولاحظ أيضا أن الباي كان يخرج من وقت لآخر من الحفلة ثم يعود إليها، وأنه في كل مرة كانت تقوى عنده رائحة الخمر حتى عرفها الحاضرون جميعا (٣)، ولا شك أن هذا النوع من الموسيقى هو الذي نهى عنه أهل التصوف، أمثال الورتلاني، لأنه في نظرهم يؤدي إلى المجون وتعاطي الخمر والتبذير والاختلاط.

وكان المغنون والعازفون والراقصون يجازون أيضا في الحفلات الخاصة مجازاة سخية، ذلك أن الأهالي كانوا شديدي الحرص على سماع الموسيقى والتمتع بالإنشاد، وكان كثير منهم، ولا سيما أهل الحضر، يحتفظ بآلات موسيقية عنده يعزفها عندما ينفرد بنفسه كنوع من أنواع التسلية والهواية، وكان بعضهم يصطحب الموسيقيين معه إلى الريف حيث منازل


(١) (التشريفات) ٣٩.
(٢) الزهار (مذكرات) ٣٧ - ٣٨.
(٣) الزياني (الترجمانة الكبرى) ١٥٦. انظر ما قلناه عن أحوال الترك في الجزائر في الفصل الثاني من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>