للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مفيد أن يقف المرء وقفة تأمل نحو الماضي ونحو المستقبل. إن الجزائر قبل سنة ١٨٣٠ كانت، مثل كل البلاد العربية والإسلامية، تعاني من مرض التخلف والجهل، ومن مرض الجمود الفكري الذي اتفق الحكام والعلماء عندئذ على تأبيده. ولكن التخلف والجهل والجمود لا يناقض وحدة التفكير والشعور. فكان الناس يعيشون أنماطا من العيش يحدوهم فيها فكر واحد، ويتبادلون مشاعر مشتركة، وكانوا يسعدون ويحزنون في حياتهم حسب مقاييس ثقافية وضعوها لأنفسهم يباركها اللسان الواحد والدين الواحد والانتماء الواحد. وذلك هو معنى (الجزأرة) عندئذ، وهو معنى الثقافة الأصلية المشتركة بينهم وبين المغاربة والمشارقة. ويظهر ذلك في توجه الآلاف منهم نحو المغرب والمشرق عندما ادلهم الخطب وغزا العدو بلادهم ونكبوا في دينهم وأموالهم وأهليهم.

ومنذ ١٨٣٠ دخلت الجزائر في نفق مظلم. فكان على أهلها أن يصارعوا قوات الاحتلال العسكرية والثقافية، بل لقد كان عليهم أن يصارعوا من أجل بقاء الذات. وقد فهم أولئك الجزائريون بعد حوالي خمسين سنة من ذلك الصراع أن بقاء الذات يكمن في الخروج من التخلف والجهل والجمود. واكتشفوا أن للفرنسيين ثقافة غير ثقافتهم وأن لهم علوما كانت من قبل مزدهرة عند العرب والمسلمين، وتأكدوا أن خروجهم من النفق المظلم يمر بالسيطرة على العلوم الحديثة، وأن (الإستعمار) رغم أنه شر كله، فإنه لا بد لقهره من التقدم بدل التخلف والعلم بدل الجهل والحركة بدل الجمود. ولكن خروج الجزائريين من هذه الدائرة الشريرة احتاج إلى حوالي خمسين سنة أخرى. وعندما أتيحت لهم الفرصة مع الإستقلال انطلقوا يتعلمون ويتقدمون ويتحركون. وبلغوا في ذلك شوطا حير المعاصرين وأزعج المتربصين بهم، فكاد لهم الكائدون كيدا جعلهم ينحرفون عن سيرهم ويعانون محنة من أخطر ما عرفوه من محن.

وها نحن نكتب هذه المقدمة والمحنة ما تزال مشتدة بينما سنوات القرن العشرين تزحف إلى نهايتها، فماذا عن الثقافة الجزائرية بعد سنة

<<  <  ج: ص:  >  >>